شاكر الانباري
أنا محرر الكتاب هذا، أقر وأعترف بأنني، ولأول مرة، أقوم بتركيب نص على لوحة.
لقد أدهشني تمثال رأس أبي العلاء للنحات والفنان السوري عاصم الباشا.
اجتمعت مع عاصم الباشا، الهادئ، الدمث، مرات عدة في بيت صديقي الشاعر بندر عبد الحميد.
صديقي الذي رحل نحو السماء في عربة الشعر المطهّمة، وترك لنا، أصدقاءه، ذكريات دمشقية لا تزول.
رأيت المنحوتة، الضخمة، المتعالية مثل أبي العلاء، المتأملة، الغاضبة غضب رهين المحبسين على ما حدثلمعرة النعمان، بلدته.
وعرفت قصة الرأس الذي ولد في محترف عاصم الباشا في إسبانيا.
في يوم الثُلاثاء 12 شُباط (فبراير) 2013م، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أنَّ أفراد جماعةٍ مُسلَّحةقطعوا رأس تمثالٍ لِأبي العلاء في مدينة المعرَّة السورية الواقعة في شمال سوريا، واتَّهم ناشطون علىمواقع التواصل الاجتماعي جبهة النُّصرة بِالوُقُوف خلف هذا الأمر، وعرضوا صُورًا لِلتمثال عليه آثار طلقاتٍناريَّة. وقد قُطعت رأسه ورُمي على الأرض إلى جانب قاعدةٍ حجريَّةٍ مُرتفعة. لكن في قفزة زمنية، وفي صباحالثاني من آذار، وصل إلى ضاحية “مونتروي” الباريسية، النُّصب التذكاري للشاعر والفيلسوف أبي العلاءالمعرّي، بعد رحلة استغرقت عدّة أيام. لقد انطلق التمثال من مدينة غرناطة الإسبانية، حيثُ شكّلته من البرونزيدا النحّات السوري عاصم الباشا (1948). وسيُحتفظ به في مونتروي كمحطّة أولى، أو وطن مؤقّت،انتظارا لرحلة العودة إلى مسقط رأس صاحب “رسالة الغفران” و“سقط الزند” و“اللزوميات” في مدينة معرّةالنعمان السورية؛ وسيكون تمثال عاصم الباشا بديلاً عن التمثال الذي نحته فتحي محمد عام 1940، وفجّرهالمتطرّفون قبل عشر سنوات.
بدأت فكرة نحت رأس بديل بعد خمس سنوات على قطع رأس أبي العلاء.
وتابعت في الفضائيات كيف سافر الوجه المهيب لفيلسوف الشعراء، وشاعر الفلاسفة. سافر إلى فرنساليحل لاجئا على مدينة فرنسية صغيرة.
سيكون لاجئا مؤقتا مثل سوريين كثر يعيشون في لبنان، والعراق، وفرنسا، والأردن، ومصر، وتركيا،واليونان، ودول العالم، بانتظار العودة إلى سوريا التي نعرفها.
سوريا التي تغزّل بها رياض الصالح الحسين ووصفها بحنو مرة، وبقسوة مرات.
هذا التمثال الهائل الذي يليق بأبي العلاء، هو ما دفعني للتنقيب عن نصوص تضيء شخصية أبي العلاء: قلقه، شكه، تمرده، تصوفه، يأسه، غربته، وهي صفات يحملها معظم السوريين المشردين في العالم.
مادة إنترنيتية، صحافية، شعرية، لا غرض لها سوى استعادة سيرة عامة لفيلسوف المعرة.
وارتأت دار نجمة للنشر الإلكتروني وضعه في قائمة إصداراتها، اعتزازا بسوريا دائما. وبأبي العلاء المعريأيقونة الثقافة السورية والعربية. أيقونة العقل رائد البشرية وهي تغذ السير خروجا من مستنقع البربريةإلى رحاب التحضر والمعاصرة