الشرير “ nefarious”  د.عادل جعفر

الشرير “ nefarious” د.عادل جعفر

د. عادل جعفر / استشاري طب نفسي

الشرير بأختصار هو فيلم لاهوتي عاطفي!!. يضرب كل الملاحظات و التوقعات …. ويجعلنا نفكر بصدق!!. فيلم يعود بنا إلى جذور أساسيات الخير والشر المذكورة في الكتب السماوية المقدسة.

الفيلم يناقش الرؤية المسيحية لخطيئة آدم!!…. أذ يعتقد المسيحيون أن خطيئة آدم التي فعلها هو وحواء هي الأكل من الثمر المنهي عنه، وأن العهد لم يُقطع مع آدم من أجل نفسه؛ بل من أجل نسله، وعليه فالجنس البشري جميعه المتناسل منه تناسلاً طبيعياً قد أخطأ فيه، وسقط معه بخطيئته الأولي.
أذ خلق الله الإنسان على صورته ، ثم تحدى الإنسان أوامره ، لذلك طُرد الإنسان من الجنة…. هكذا تقول القصة في الكتاب المقدس.

بأختصار قد صنع المخرجان

تشاك كونزيلمان و كاري سولومون فيلمًا بناءً على هذه القصة،.. الفيل يقدم مناقشة لاهوتية ، فلسفية وميتافيزيقية مصاغة في نوع الإثارة النفسية.
للأمانة لم تعد تستهوني الافلام التي تناقش التلبس الشيطاني منذ اكثر من عشرين سنة… اذ اجدها أفلام مكررة ، صنعت للمتعة و لا تمت للواقع الذي نعيشه بصلة، لكن عندما شاهدت المقطع الترويجي له و أصغيت لبعض الحوار …تبين لي ان للفيلم جانب نفسي لكن ليس نفسي علمي مائة بالمائة بل نفسي ميتافيزيقي و هي المرحلة التي كانا فيها متعايشتين معاً النظرة الدينية والعلمية… هذه المرحلة لا تقدم تفسيرات حقيقية للظوهر الطبيعية و الاجتماعية !.
! بعد ما أكملت مشاهدة الفيلم تبيّن لي أنه يستحق المشاهدة… فهو فيلم مختلف لم يكن يطرح تلك الفكرة السطحية النمطية للمس الشيطاني !!.

في أول لقطة في الفيلم ينتحر الطبيب النفساني المشهور د.فيشر ولذلك يتم إرسال الطبيب الشاب الواثق من نفسه جيمس بارتن ( قام بدوره الممثل جوردان بيلفي ) لتحليل حالة إدوارد العقلية، ليتمكن من إعلان ما إذا كان السجين المحكوم عليه بالإعدام لائقًا عقليًا ليتم إعدامه أو ما إذا كان مجنونًا ليتوقف حكم الإعدام.
كان د. جيمس خصمًا جديرًا للمتهم ، أو ربما ضحية وكان مستقبل إدوارد يعتمد على قراره.

أدى شون باتريك فلانيري دوره ببراعة في دور أدوارد الممسوس .. وأكاد أجزم انه وصل الى أداء مماثل لأداء أنثوني هوبكنز بدور “هانيبال ليكتير” في فيلم صمت الحملان.
قد قام شون بتصوير رائع لرجل ممسوس بشيطان شرير ، بالإضافة إلى إظهار هشاشة الرجل الممسوس و الذي يدعى إدوارد و المتورط في ست جرائم قتل ، لكن مع ذلك كانت هناك مؤشرات في أنماطه السلوكية تثير الشكوك حول سلامته العقلية و مدى مسؤليته الجنائية عن افعالة… على الرغم من أن المأمور يرفض في البداية الحاجة إلى التقييم النفسي ، إلا أن جيمس ملتزم بالوفاء بواجبه اذ كان هناك سبب للاعتقاد بأنه قد يكون مجنونًا.
هنا يدخل جيمس المنطقة المحظورة حيث يتم تقييد إدوارد على طاولة و يبدء التقييم النفسي له.

أثناء الحوار يكشف إدوارد عن معلومتين مهمتين لجيمس: أولاً ، يدعي أنه شيطان يمتلك جسد إدوارد ، وثانيًا ، يخبر جيمس انه سوف يصبح قاتلاً مثله اذ سيقوم يقتل ثلاثة أشخاص قبل انتهاء الليلة. في البداية ، يرفض جيمس أوهام إدوارد بشأن كونه مخلوقًا من العالم السفلي يُدّعى “شرير” .

يخبر إدوارد ( على لسان نيفاريوس) أنهم أرادوا جيمس هنا لأنه كان يجب أن يكون رسولهم وينشر رسالة سيدهم في جميع أنحاء العالم. يخبره نيفاريوس انه إنه أحد التوابع التي لا تعد ولا تحصى للملاك الساقط الأول …أسمه الشيطان( لوسيفر) والأمر متروك لجيمس لنشر تعاليم لوسيفر في العالم لأن “النجار” لم يقبل العرض. من الواضح أن “النجار” هو ابن الله الذي مات من أجل خطايا البشرية ، لذلك اختار الشرير الآن رسولًا آخر. كما انه أعلن أيضًا أنه سئم من جسد إدوارد واختار الكرسي الكهربائي وشرع في وصف تفاصيل مروعة كيف سيتم تحميص جسد النزيل – وهي طريقة مناسبة للترحيب بإدوارد في الجحيم.

قد أوصل لنا الفيلم فكرة مؤامرة وحكاية قوية يمكن أن تكون مرتبطة بالحياة اليومية. قصة تجعلنا نفكر بكل ما يجري في معظم وسائل الإعلام اليوم في تطبيعها مع الشر . لذلك هو فيلم يمس الحرب الثقافية الجارية على قدم و ساق !!.
و اذا ابتعدنا عن السرد اللاهوتي في قصة الحرب بين الخير و الشر فأننا بالتأكيد نجد أن الشياطين حقيقيين…وهم أحياء وبصحة جيدة في عالم اليوم والمجتمع في ورطة كبيرة بفضل كل الانقسامات والأكاذيب التي تُرتكب على الناس. و ما تسببه قوى الشر والظلام حاليًا من أضطرابات وصراعات في جميع أنحاء العالم. عكس لنا هذا الفيلم رعبًا حقيقيًا واضحًا ومقدمًا بشكل ينير التفكير.
لقد أذهلني هذا الفيلم وعليك أن تشاهده إذا كنت تحب أفلام الإثارة الذكية.انه فيلم يستفز العقل بحق.

بصراحة أن الفيلم قدم لنا مناقشة لاهوتية ،فلسفية وميتافيزيقية مصاغة في نوع الإثارة النفسية. و بصراحة أكثر يحتاج العالم حاليًا إلى هذا النقاش حول الإلحاد مقابل الخلق الذي يتميز بأساس أخلاقي متين لا يتغير أبدًا بسبب نزوات الإنسان.

(Visited 249 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *