علاء الخطيب
بين الحلم والواقع مساحة شاسعة ، ربما تحلم بدقيقة لكن تحويل الحلم الى واقع يحتاج الى سنين وتضحيات جسام خصوصاً اذا ما قررت الدخول في الحرب والانتصار بها .
الحرب على الفساد ليس ككل الحروب ، ولا تنطبق عليها قواعد الحروب وقوانينها وتقاليدها ، فهي تحتاج الى أسلحة غير تقليدية لمواجهة شاملة يتداخل فيها العدو والصديق والأخ والقريب ، وقد لا يبقي لك الحق من صديق في هذه المعركة التي يجب ان يتسلح بها المقاتل بالايمان بالوطن والإنسان معاً .
هنا نتحدث عن ظاهرة وليست حالة، فالفساد في العراق لا يحده حدود اخلاقية او إنسانية او حتى وطنية فهو ظاهرة مستفحلة ، ومتسربة الى كل مفاصل الحياة ، ربما سيدفع السوداني فيها اثمان باهضة اذا ما قرر خوضها . فهو لا يحارب قطاع طرق او مجرمين هاربين من العدالة ، بل مسؤولين يمتلكون مراكز وجيوش واموال وفضائيات وسطوة . لم يسرقوا سرقة عادية مكشوفة بل سرقة مشرعنة ومقننة ورسمية .
سألت يوما احد المسؤولين ونحن نتحدث عن الفساد ونلعن ( سلفه سلفاه) فقال لي : لا احد في العراق قادر ان يحاسب الفاسدين ، لانهم لا يسرقون الا بطرق قانونية ولا يستطيع الحاكم ان يصدر حكماً لعدم كفاية الأدلة، بالاضافة الى انهم محميون من قبل احزابهم وكتلهم وعشائرهم ، وأضاف ان محاربة الفاسدين ضربا ً من الخيال والانتصار عليه شجاعة متناهية ، ومن يفعل ذلك سينحني التاريخ أمامه لكتابة اسمه بشرف .
لكن الحقيقة المأسوف عليها و التي يعرفها الجميع, ام الفاسد لا ينبذ اجتماعياً ولا يعاب عليه بالاسم ، بل التلميح البعيد ، و ان الأكثرية من الناس يصافحون أيادٍ
ملوثة ويعلمون انها ملوثة لكنهم يبنون على طهارتها بناءاً على اساس القاعدة الفقهية ” كل شئٍ لك طاهر حتى تعلم بنجاسته” ، وما دمت لاتعلم ولم ترى السرقة والاحتيال بعينك فلا يمكنك ان تحكم رجماً بالغيب ، هذا ما يقوله لك المحسوبون عليهم، لذا الأموال التي تجدها بايدي الأذرع الحزبية هي اموال حلال. هكذا يتعامل الفاسدون مع بعضهم في العراق لذا عرفت الفساد بالظاهرة، من هنا قلت انها ليست حالة يمكن محاصرتها والقضاء عليها بسهولة . بل تتطلب محاربتها دعماً دولياً واقليمياً .
لكن يبقى ان نتسائل من أين سيبدأ السوداني حربه و هل يستطيع ان يحول الحلم الى حقيقة و ان يحارب الفساد وينتصر عليه ، بدعم دولي وأقليمي، وهل ستتعاون الدول معه في ظل الهدوء الاقليمي ، لتحقيق هذا الحلم وتقوم بإنشاء تحالف دولي ضد الفساد على غرار التحالف الدولي ضد الارهاب ؟ وهذا ما يتماه أغلبية العراقيين.
وهل لدى رئيس الوزراء القدرة على مواجهة الفاسدين من الشيعة و الاكراد و السنة ؟ ، وهل سيقف هؤلاء كالخرفان التي تنتظر أدوارها للذبح دون حراك ؟ . واذا ما فعلها وزج الرؤوس الكبيرة في السجن هل تبقى سيوف الفاسدين في أغمادها ام انها ستستل لقتله.
فليس بالتاريخ البعيد ولازلنا نتذكره ، حينما اراد الرئيس الجزائري محمد بوضياف محاربة الفساد، ووجه خطاباً للشعب الحزائري قال فيه انه سيلغي الفساد والرشوة ، وسيبدأ بمحاربة الفاسدين من أركان النظام اولاً ، وكان اول المعترضين عليه الجبهة الاسلامية للانقاذ اذ حذرته من مغبة السير في الطريق الخطر .
لم يعر بوضياف بالاً للتحذيرات وبدأ فعلاً اولى خطواته باعتقال مجموعة من الفاسدين والمختلسين والمسيئين لاسغلال السلطة ، حينها حبس الجزائريون انفاسهم وقالو لقد اصبح محمد بوضياف في خطر محدق . وبالفعل قتل الرجل وبَقى الفساد مستمراً.
وانا كمواطن عراقي اتمنى واعمل وأدعو للسوداني ان يستمر بمسيرته العقلانية وان ينتصر.
فالفاسدون مهما كثروا هم قلة قياساً بالصالحين من أبناء هذا الوطن .