حسين فوزي
المؤشرات المتراكمة تبين أن القوى الماسكة لمفاصل الدولة لم تهضم دروس المتغيرات على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية، إلى حد تماديها مع الأسف في محاولة تكريس هيمنتها على مقاليد السلطة والأمور في البلاد، وفقاً لأخر المستجدات التي توجها تمرير بنود تعديلات قانون الانتخابات العامة.
والأكثر خطورة هو أن هذه “المشروعية” القانونية وفق ما يشرعه البرلمان من قوانين تعاني في الأصل من فقدان ملحوظ لـ”الشرعية” الدستورية، فالانتخابات العامة الأخيرة اشرت عزوفاً كبيراً عن المشاركة في الانتخابات، تجسيداً لحالة ياس شعبي من إمكانية الإصلاح ضمن المنظومة القائمة، وهي الحالة التي تفاقمت بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، وهم يشكلون قرابة ربع مجلس النواب، يعني أن البرلمان الحالي لا يمثل سوى اقل من خمس إرادة المواطنين العراقيين.
عليه فأن هذا الأقل من الخمس يسعى إلى فرض هيمنته على إرادة اكثر من أربعة اخماس المجتمع العراقي، الذي يضم المحتجين من قوى انتفاضة 2019، والتيار الصدري الذي يشكل قوة رئيسة فاعلة ضمن القوى الإسلامية المدنية، بجانب الأغلبية الصامتة التي كانت، مع الأسف قد انزوت وغسلت يدها، من إمكانية الإصلاح، وهي كما عهدناها تنتظر التغيير من القادرين، والعادة كان هذا التغيير من الجيش عام 1958 ومن التحالف الأميركي البريطاني 2003.
وقال النائب عامر عبد الجبار الكابتن البحري وزير النقل السابق والاستشاري المعروف متحدثاً باسم 75 نائباً رافضاً لتعديلات قانون انتخاب مجلس النواب “إن ما تسعى له الكتل الكبرى هو مصادرة لوجود الأطراف الأخرى التي لا تتفق مع نهجها، على الرغم من انها موضوعياً لا تشكل الكتلة الأكبر، فالكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات كانت التيار الصدري، وهم يسعون من خلال تعديل قانون الانتخابات إلى تهميشنا والتيار الصدري من أجل احكام قبضتهم على مفاصل الدولة كافة.”
وحذر النائب والوزير السابق عبد الجبار “من خطورة توظيف الولاء المرجعية والادعاء بالولاء لها لحصد المكاسب السياسية، كما كانت تفعل العديد من الأطراف، لكنها الآن تتخلى عن طاعتها للمرجعية لكونها الطرف الرئيس الداعي للإصلاح والاستجابة لمطالب غالبية المواطنين في إقامة دولة مدنية ديمقراطية تستأصل الفساد وتحاسب المسؤولين الفاسدين أو غير الكفوئين.”
ويرى د. احمد علي إبراهيم نائب الأمين العام للحزب الاجتماعي الديمقراطي “إن تعديلات قانون الانتخابات التي يشرعها البرلمان تعني إهمالاً صارخاً لأسس الحكم الديمقراطي من خلال ضوابط تقصي القوى السياسية الناشئة وتضعف قوة إسلامية متماسكة هي التيار الصدري، مما يعني أن عوامل الأزمة التي اشتعلت عام 2011 ما زالت قائمة وتتصاعد، بسبب فشل السلطة التشريعية في تفريغها من شحنة الغضب والسخط وعدم الثقة، وهي تكرس قبضة القوى الماسكة لمقاليد البلاد على الرغم من تزايد عزلتها.”
أما سكرتير الحزب الشيوعي العراقي السيد رائد فهمي فهو يشير إلى “أن مجريات الأمور تبين تكريس منظومة للاستحواذ على السلطة والثروة من قبل القوى السياسية المهيمنة، من خلال المال السياسي والسلاح والاستحواذ على السلطة التشريعية، بالأخص بعد انسحاب التيار الصدري.”
وبجانب هذين الرأيين لقوى مدنية ديمقراطية ويسارية اشتراكية، فأن الأطراف المتحدثة دون ذكر أسمائها من التيار الصدري “تتوقع أن تؤدي الأزمة القائمة إلى انفلات الغضب الشعبي في مباغتة غير متوقعة للسلطات السياسية المستحوذة.”
من جانبه يرى د. أحمد علي إبراهيم “أن ان الاداء الايجابي لرئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني يتجه نحو التهدئة، خاصة اذا استطاع ان يتوج مسيرته بإصلاحات جوهريه في دعم القطاعات الإنتاجية وتصفية بؤر الفساد وتعزيز الديمقراطية وصيانة الحريات وغير ذلك، مما يسهم في خلق مناخ ملائم للاستقرار، لكن القوى المستحوذة من خلال اغلبيتها النيابية تشرع ما يثير السخط ويتناقض مع توجهات مجلس الوزراء بشأن سبل معالجة الأزمة الاقتصادية ومساءلة الفاسدين، بجانب التضييق الصارخ على الحريات العامة والخاصة من خلال قانون حرية الرأي والتعبير وقوانين أخرى.”
وعند دراسة لمحصلة التوجهات العامة للقوى الاجتماعية الرئيسة: التجمعات المدنية الديمقراطية المتبعثرة، والتيار الصدري، والأطراف المستقلة داخل وخارج البرلمان، يبدو واضحاً أن تعارضاً واضحاً بين الطموحات الشعبية العامة للصامتين والحراكيين والتيار الصدري يدفع نحو تلاقيها، بجانب التوجهات الحكومية الرسمية التي يعبر عنها السوداني، من جهة، ومسار التشريع والضغوط التي تمارسها الأغلبية النيابية لقوى الإطار وإدارة الدولة، مع تباين تطلعات كل من الطرفين المتحالفين، بجانب “تناقضات” تفصيلية ضمن أطراف الاطار النواة لتحالف إدارة الدولة.
إن هذا الوضع يضع حكومة السوداني امام تحديات كبرى، فهي أمام أحد خيارين: مواصلة نهجها الإصلاحي بكل ما يعنيه من ملاحقة قوى الفساد وعدم الكفاءة واستئصال المحسوبية الحزبية والعقائدية والجهوية في مواصلة تنفيذ برنامج عملها، وهو ما يؤدي إلى اصطفافها أكثر بجانب الإرادة الشعبية، وبين الاستسلام للأقلية المستحوذة على البرلمان.
وما لم يواصل السوداني مشروعه الحكومي بشجاعة واللجوء للدعم الشعبي في التصدي لتشريعات مصادرة الديمقراطية نهائياً بالتعاون مع المحكمة الاتحادية بالحفاظ على استقلاليتها ونزاهتها في تفسير عدم دستورية التشريعات الأخيرة، فأن العاصفة قادمة قادم الأيام غير البعيدة…عسى يخفف البعض من جشع شهوة السلطة والمال والتلويح بالسلاح…
علما أن الانفراج الإيراني السعودي، والدبلوماسية الصينية المتصاعدة في المنطقة بدعم روسي الحاضرة في سوريا وإيران، وأزمة الطاقة الأوربية، والتداعيات المالية في أوربا وأميركا، ضمنها كندا، تستدعي الوعي بالمتغيرات الإقليمية والدولية والمراجعة من قبل الماسكين بسلطة النظام العراقي.
الإعصار يتجمع… / حسين فوزي
(Visited 25 times, 1 visits today)