في جلسة أسئلة رئيس الحكومة، في مجلس العموم البريطاني هاجم زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر رئيس الوزراء ريشي سوناك لعدم إقالته رئيس حزب المحافظين الحاكم ووزير الخزانة السابق ناظم زهاوي بسبب محاولته التهرب من الضرائب. وقال ستارمر متسائلاً باستنكار عما “إذا كان أي سياسي يحاول تفادي دفع الضرائب المستحقة عليه في البلاد يصلح لموقع قيادي؟”.
واتهم زعيم المعارضة رئيس الوزراء بأنه “ضعيف بشكل بائس”، وألمح إلى أزمة سابقة تتعلق بزوجة سوناك التي تفادت دفع ضرائب على أرباحها الهائلة نتيجة احتفاظها بوضع “غير المقيم ضريبياً” في بريطانيا بينما تقيم هي وزوجها في “10 داونينغ ستريت”. وأضاف ستارمر، “كلنا يعرف لماذا يتردد رئيس الوزراء في توجيه أسئلة تتعلق بالثروة العائلية والتهرب من الضرائب لرئيس حزبه”.
وعدد زعيم حزب العمال المشكلات التي اعتبر أن حكومة سوناك غير قادرة على مواجهتها من الإضرابات إلى مشكلات الخدمات الصحية إلى ضمان أمن المواطنين في الشوارع. ووجه إصبع الاتهام إلى سوناك قائلاً، “إنه حتى لا يستطيع التعامل مع المتهربين من الضرائب من طاقم حكمه. هل أصبح يفكر أن هذه الوظيفة (رئاسة الحكومة) أكبر من قدرته على توليها؟”.
ورد رئيس الوزراء على اتهامات زعيم المعارضة بأنه أمر بتقصي الحقائق في مسألة مشكلة ضرائب ناظم زهاوي، متهماً ستارمر “بالانتهازية السياسية”.
أكثر من أزمة أخلاقية
كانت الشكوك حول مشكلات ناظم زهاوي مع مصلحة الضرائب برزت في الصيف الماضي حين نشرت الصحف البريطانية تقارير حول التحقيق في أوضاعه المالية من قبل مكتب الاحتيال المالي وهيئة الجريمة الوطنية ومصلحة الضرائب والجمارك. ومنذ 10 أيام نشرت صحيفة “صن أون صنداي” تقريراً يفيد بأن زهاوي دفع مبلغاً بالملايين لتسوية مخالفات ضريبية.
وظل رئيس حزب العمال صامتاً إلى أن صدر بيان أخيراً يؤكد أن زهاوي دفع لمصلحة الضرائب “ما رأت المصلحة أنها متأخرات” عليه نتيجة خلاف حول تسوية ضرائبه، ويقدر أن المبلغ الذي دفعه يصل إلى نحو 3.7 مليون جنيه استرليني (4.6 مليون دولار). وأعلن مكتب رئيس الوزراء أن سوناك ما زالت لديه الثقة الكاملة برئيس الحزب ناظم زهاوي.
إلا أن الحملة على السياسي البريطاني من أصل عراقي استمرت في أروقة السياسة والإعلام، وبدأت الصحف تنبش في ماضي ثروته وتعاملاته المالية وعلاقة ذلك بارتباطاته السياسية في إشارات مباشرة وغير مباشرة إلى استغلال النفوذ وشبهات الفساد المالي.
لكن مشكلة ضرائب زهاوي ليست الوحيدة التي تواجه حكومة حزب المحافظين برئاسة سوناك الذي كان مأمولاً أن تقود حكومته سبيل تخليص حكومات المحافظين من الفضائح الأخلاقية وشبهات الفساد والتركيز على معالجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها بريطانيا، إذ أحيت أزمة زهاوي قضية زوجة سوناك وتفاديها دفع الضرائب، بل كذلك مشكلة أن سوناك احتفظ بوضعه الضرائبي الأميركي (البطاقة الخضراء) بينما هو يشغل منصب وزير الخزانة في حكومة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون.
ويبدو أن اكتفاء سوناك بتوجيه مستشار رئيس الوزراء لشؤون القيم بتقصي الحقائق في موضوع مشكلة رئيس الحزب مع مصلحة الضرائب لم يقنع كثيرين يطالبون بإقالة زهاوي. وكان الأخير أكد في بيانه السابق أنه لن يستقيل لقناعته بأنه “لم يرتكب خطأ”.
كما أن نائب رئيس الوزراء ووزير العدل دومينيك راب يواجه تحقيقات متعددة، أهمها خمسة اتهامات له بالتنمر وإساءة استخدام السلطة.
كذلك فتحت لجنة التعيينات الحكومية تحقيقاً في اختيار ريتشارد شارب رئيساً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بعدما ساعد في توفير رجل أعمال ضامن لقرض بوريس جونسون بقيمة 800 ألف جنيه استرليني (990 ألف دولار) وكان شارب تبرع قبل اختياره عام 2020 بمبلغ 400 ألف جنيه استرليني (495 ألف دولار) لحزب المحافظين الحاكم.
وتعود شبهة الفساد السياسي في تعيين شارب رئيساً لـ”بي بي سي” وقضية ضرائب زهاوي لوقت حكم بوريس جونسون، إذ تشير التقارير الصحافية إلى أن زهاوي قام بتسوية مشكلته مع مصلحة الضرائب لدى تعيينه وزيراً للخزانة في حكومة جونسون، لكن تعامل سوناك مع إثارة هذه الفضائح الآن ينسف كل التوقعات التي رجحت لدى خلافته رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس أنه رجل يعمل بدقة ولا يتساهل مع الإهمال.
ويطالب بعض المعلقين في الصحف البريطانية الآن بالتحقيق أيضاً مع أمين عام مجلس الوزراء سايمون كيس باعتباره فشل في إثارة مشكلة زهاوي الضريبية وكذلك مشكلة قرض جونسون الذي سهل شارب ضمان رجل أعمال كندي له.
الرأسمالية المهملة
وتذكر تلك الفضائح والقضايا والتحقيقات بفترة حكم بوريس جونسون التي تراكمت خلالها فضائح خرق القانون وشبهات الفساد السياسي والمالي وإصرار جونسون على دعم كل من تدور حولهم الشبهات حتى انتهى الأمر بخروجه مرغماً من مقر الحكومة.
وأصبح كثيرون في الصحافة وفي دهاليز السياسة يشيرون إلى ضعف سوناك في مواجهة تحديات الوظيفة وارتفعت مطالبات قوية حتى من مسؤولين حكوميين وسياسيين مخضرمين، بضرورة إعادة النظر في أخلاقيات الحكم والقواعد والقيم التي تحكم العمل العام.
وكتب روبرت شريمزلي مقالة في “فايننشال تايمز” بعنوان “الرأسمالية المهملة تقضي على جهود سوناك لإنقاذ حزبه”، وبرر الكاتب أزمات حكومات حزب المحافظين المتتالية بالإهمال في دراسة القرارات وتدقيق المعلومات واستسهال التصرف من دون التزام القواعد والمعايير.
وعدد الأزمات التي تعرضت لها حكومة جونسون، معتبراً أن الإهمال كان السبب في “رعونة” ليز تراس حين طرحت خططها الاقتصادية الكارثية. ورأى أن توجه حكومة سوناك للتخلص من كل المعايير واللوائح البريطانية التي تعود لوقت وجودها في الاتحاد الأوروبي “إهمال جسيم” أيضاً، مشيراً إلى أن وقوف سوناك بجانب زهاوي في أزمة الضرائب يذكر بإهمال جونسون بالتصرف المماثل مع عدد من أركان حكمه الذين انتهى بهم الأمر جميعاً إلى الاستقالة.
ويقارن المعلقون والمحللون الآن مصير سوناك بمصير رئيس الوزارء السابق من حزب المحافظين جون ميجور في تسعينيات القرن الماضي. ويقول شريمزلي إن السؤال الآن “هل سنشهد عام 1992 أو عام 1997”. وعام 1992 قاد ميجور حزب المحافظين إلى نجاح انتخابي بعد استقالة رئيسة الوزراء الشهيرة وقتها مارغريت تاتشر. وكان ذلك عكس توقعات المحللين واستطلاعات الرأي، لكن في 1997 خسر جون ميجور ومعه حزب المحافظين، الانتخابات العامة التي اكتسحها حزب العمال وقتها بقيادة توني بلير وغوردون براون.