د. رقيق عبدالله
كاتب وباحث جزائري
إن محاولات تقديم فهم علمي للقوانين الاجتماعية خاصة والإنسانية عامة التي تحكم حركة الأحداث في واقعنا الاجتماعي اصطدمت بمنتجات المتطلبات الذاتية للأفراد والجماعات في مجتمعاتنا العربية عبر تكريس فردانية المعرفة للباحثين والمختصين وعدم تبني مشروع علمي حقيقي يفصل الذات عن الموضوع، بشكله المنتج لمفاعيل النقد والبناء. فظاهرة التخلف مثلا والتي هي عدم حركية الفرد و الجماعة للحياة و مقوماتها الأساسية في أنشطتها و ميادينها المختلفة أصبحت ترافق سيرورة المجتمعات وتلازم مفردات العالم الثالث النامي كبراديغما لمفهوم ظاهرة التخلف التي حاولت جل النظريات الاجتماعية و الاقتصادية لحل اشكاليتها التركيز على
ديناميكية الجانب الاقتصادي الذي أعتمد كمقاربة توافقية مع التأسيس للمبادرة الفردية للمشاريع و إنتاجها.
واعتبر الباحثون ان ظاهرة التخلف لا نتجاوزها الا بتجميع رؤوس الأموال و ملاءمة الإدارة و التقنية الفنية للهياكل المسيرة، ليتم انتاج وعي زائف يدرس الظاهرة بين الممكن العلمي و الموجود الثقافي، الى درجة طرح فيها نعوم تشومسكي مقولته الشهيرة “ان العالم يسقط اليوم نحو العدم” في حين أن ظاهرة التخلف كان لها أن تدرس وفق متغيرين أساسيين ، تخلف الوعي من جهة والوعي المتخلف للظاهرة من جهة أخرى فالتخلف يخلق من تخلف الوعي بالتخلف.
والتخلف الذي تعيشه المجتمعات لا يحفزها على التقدم بل وعيهم بالتخلف هو ما ينتج لهم تقدما.
إن التخلف يصدر عن بنية فكرية و اجتماعية و اقتصادية يتمظهر فيها الوعي الزائف للمخيال الاجتماعي والثقافي والذي يتكيف مع الظاهرة وبراديغيما المجتمعات المتقدمة ونماذج نجاحها المادي الذي يُعتقد أن عملية استيراده يشكل نقلة من الظاهرة وتجاوزها. هنا يسقط المثقف كما الباحث في صدمة الانبهار الغير واعي لمدركات ذاك النموذج المعولم للمادة.
فحين تشاهد الابراج في دولة عربية ما ونجاحها في تجاوز رهان كروي او حدث علمي بل وتتفوق فيه بتقنية الاستيراد على مصدره، فهذا لا يعني أنها تجاوزت ظاهرة التخلف وانما غيبت وعيها المتخلف الذي سرعان ما يعود للذات الاجتماعية من خلال شيوع الاكراه العام إلى الجهل المركب لوسائل التنشئة الاجتماعية وبروز ضوابط التعاقد القبلي لا المجتمي والذي يستحسن وعيه بالتخلف المعاش و يتمظهر وفقه.
إن الوعي بالتخلف يمكن ان يوجد في كل البناءات الاجتماعية المتقدمة و المتخلفة على السواء ،فالجماعة العنصرية في المانيا مثلا تعيش وعيا متخلفا و ليس تخلفا للوعي المتمظهر الذي تعيشه المجتمعات المتخلفة في كل فعالياتها و أنشطتها البنائية، فالوعي المتخلف لتلك الجماعة العنصرية لا يتسع ليصبح ظاهرة و إن تحول إلى ذلك فلا يمكن للمجتمع أن بتكيف و يتوازن ضمنها…….يتبع
براديغما التخلف بين الفردانية والمنهج / د. رقيق عبد الله
(Visited 48 times, 1 visits today)