علاء الخطيب
في العام 1917 اصدر “مارك سايكس” الدبلوماسي والعسكري البريطاني الذي صنع الشرق الاوسط برفقةزميله “جورج بيكو” كراساً عن مستقبل العراق التجاري, و في العام 1918 كتبت جريدة التايمز اللندنيةمقالاً حول انتاج العراق الزراعي بعنوان ” أعظم غلة في التاريخ منذ عهد نبوخذ نصر ” .
وكُتب بعد ذلك مجموعة كبيرة من البحوث التي تحتفظ بها مكتبة الوثائق في وزارة الخارجية البريطانية وجُمعت في كتاب بعنوان ” بلاد الرافدين المدهشة إعجوبة العالم” .
كما أطلق البريطانيون على العراق ” مخزن حبوب العالم ” في زمن البابليين.
وجاء المسلمون الى العراق سنة 633 م وخرجوا من البادية فنظروا الى الشجر والتفاف النباتات علىبعضها البعض والانهار تجري بين بساتينها الغناء فأطلقوا عليه ” أرض السواد “
لم يكن مارك سايكس يعلم ان حال العراق سينقلب من مخزن حبوب العالم الى مستهلك حبوب العالم ,ولوكان المسلمون الاوائل قد تنبئوا بأن العراق سيجوع , لما أطلقوا عليه ” ارض السواد” ولو عرف الباحثون انالعراق سيستورد التمر من السعودية وايران والرز من تايلند والحنطة من استراليا وكندا والطماطم منسوريا والرمان من اليمن والبرتقال من مصر والفواكهة من افريقيا ، لما كتبوا بحوثهم عن الثروة الزراعيةوالمائية العراقية .
ويقيناً لما قال الجواهري بيته الشهير ” يا دجلة الخير يا أم البساتين“
فلا بساتين ولا مياه ولا حمائم ولا نبعاً تلوذ به ايها الجواهري العظيم. فما عساك ان تقول اليوم:
أليس من الغرابة ان تجد مساحات زراعية واسعة تعرض للبيع او تقسم لمساكن, او تتحول الى مكبللنفايات، والدولة عاجزة عن فعل ما، يوقف هذا التردي والانحدار . .
العراق اليوم يعاني من الجفاف وانحسار المياه الجوفية ، وتردي الري وهجرة الفلاحين .
و لم تفكر الحكومات المتعاقبة على الحكم في تنمية الريف ودعم الفلاح وانشاء شبكة للطرق ومخازن للتبريدوحفظ المنتج الزراعي.ولم تستطيع معالجة المشاكل الاجتماعية في الريف الناجمة عن قلة المياه وتقلصفرص المعيشة، حتى تحولت هذه المشاكل الى صراعات اجتماعية ” عشائرية” تنذر بتفتت المجتمع وتمزيقه.
مخزن حبوب العالم يتحول الى مخزن للسراق والفاسدين ومصدر للفضائح ، ولعل الفضيحة الاخيرة فيالضرائب تكفي ان تجعل رؤوسنا تطأطأ أمام العالم ، فهل من المعقول ان تقوم مجموعة قليلة بسرقة هذاالمبلغ الضخم وعلى عينك ياتاجر؟
انتقل العراق من ارض السواد الى ارض الاسوداد ” الصخام” ومن صومعة الحبوب التي تغذي الدنيا الىصومعة الخراب والدمار التي تصدرالعنف .
من يقرأ الف ليلية وليلة يسبح في فضاءات الحلم والجمال ويتمنى العيش في ارض السواد الجميل, ارضالسواد التي صنعت الفرح و انتجت ثقافة الليل والسهر والشعر والموسيقى. ارض سواد بلد الرشيد وابونؤاس والبحتري وابو تمام , والوردي والجواهري بغداد التي تغنى بها نزار قباني كما تغنت بها الدنياوكتب عنها المستشرقون والرحالة.
ارض السواد التي غاص في اعماقها وعشقها الروائي العربي عبد الرحمن منيف ابن السيدة العراقيةالبغدادية، والتي قال عنها ان امي ارضعتني حب هذه الارض كتب في ثلاثيته ” ارض السواد ” عن سيرةبلاد الرافدين والصراعات التي دارت فيها وعن الشخصية العراقية.
هل يتصور الانسان ان يكون حالها هكذا .
ليت منيف ونزار قباني والجواهري وجمال الدين والسياب الذين تغنوا بمخزن حبوب العالم يشاهدوناليوم الظلام الذي خيم على المخزن ، والسراق الذين نهبوه .
وهل يعقل ان الولايات المتحدة تقدم منحاً زراعية بقيمة ملياري دولار لتنمية الزراعة في مخزن حبوب العالم؟
لك الله يا مخزن حبوب العالم .