جواهر القاسمي.. نموذج تنموي يحتاجه العالم 

جواهر القاسمي.. نموذج تنموي يحتاجه العالم 

 

المستقل / الشارقة، 17 أكتوبر 2022

يضع تتويج قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، بدرع الشخصية الرائدة في العمل الاجتماعي الأهلي على مستوى مجلس التعاون الخليجي، بلدان المنطقة والعالم أمام واحد من النماذج الاستثنائية في تقديم الأثر الحقيقي والعميق للرؤى والمبادرات والجهود الاجتماعية، وانعكاسها على تحقيق تطلعات البلدان، والوصول بالمجتمعات إلى الشراكة المنشودة في ضمان مستقبلها.

يحمل هذا الدرع الذي يقدمه مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية بدول المجلس، رسائل كبيرة لقادة التغيير، وأصحاب الجهود المجتمعية من مؤسسات وأفراد، إذ تبرز أسئلة من نوع: ما المختلف الذي قدمته قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة في عملها الاجتماعي؟ ألا تشبه جهودها الكثير من أعمال المؤسسات والشخصيات الراعية والداعمة للعمل الاجتماعي عربياً ودولياً؟ وكيف يمكن الوصول إلى المنهج المتين الذي تبنته سموها، وتحويله إلى إطار عمل لجهود فردية أو مؤسسية ذات أهداف مشتركة أو تطلعات طموحة.

وللإجابة على هذه الأسئلة، تبرز في تتبع مسيرة عمل قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة التي بدأت منذ أربعين عاما مع تأسيس نادي منتزه الفتيات ليتم توسيعه وتحويله لاحقا إلى نادي سيدات الشارقة، ومراكز الأطفال التي انطلقت في عام 1982 لتحكي لنا عن مسيرة تنمية الأطفال والوقوف على تطوير مهاراتهم وقدراتهم، لتصل اليوم إلى تأسيس مؤسسة رائدة في تمكين الأطفال والشباب وهي “مؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين”.

 

ومع هذه المسيرة التي بدأتها سموها ولا زالت مستمرة، نقف ملياً عند الرؤية المركزية التي تحركها، فالحديث عن منجزاتها ومبادراتها والمؤسسات التي ترعاها وتدعمها، لا يمكن اختصاره بمساعدات للاجئين، أو أنشطة ودعم الموهوبين من الأطفال والناشئة، أو حتى دعم المنظومة التعليمية الأكاديمية بمبادرات وبرامج لا منهجية تبني في الأجيال الجديدة قيم أصيلة ومهمة لصناعة مستقبلهم.

 

إن الحديث عن منجزات سمو الشيخة جواهر القاسمي، يتجسد في مفهوم يمكن وصفه بـ “الغرس” أو “الزراعة” أو “الإنبات”، فالمعاين يجد أن جهودها ظلت قائمة على هذه المفاهيم، أي أنها لا تنتظر النتائج الفورية والسريعة، وإنما تقوم على الغرس، والمتابعة، والرعاية، وانتظار النمو، ومن ثم جني الثمار، وتحويل الغرس إلى شريك في النمو ومساهم في حماية نفسه.

الأسرة.. ركيزة أساسية

لتظهر هذه الاستراتيجية بصورتها المتجسدة على أرض الواقع، يمكن الوقوف عند أبرز المؤسسات التابعة لسموها، وهي “المجلس الأعلى لشؤون الأسرة” الذي تأسس في العام 2000، حيث اختارت أن تبدأ بتهيئة الركيزة الأساسية للمجتمع، انطلاقاً من إيمانها بأن النهوض بالأسرة يعني بناء مجتمع حيوي فاعل، يتسم بالقدرة على مواجهة التحديات الثقافية والاقتصادية وحماية وتحصين ذاته وهويته، إلى جانب القدرة على البناء والتطوير بقوى ذاتية ليست مستوردة أو مستعارة بالتزامن مع الانفتاح الواعي والمتوازن مع تجارب الشعوب ومنجزاتها والدروس التي أنتجتها مسيرتها التاريخية.

لم تمثل الأسرة برؤية سموها، مجرد ما يتحدد بعلاقة الدم، فالأسرة -وفق توجهات سموها- وحدة ثقافية واقتصادية ونفسية، وهي الرابط بين الفرد ومجتمعه، إلى جانب كونها المدرسة الأولى والمصدر الأكثر تأثيراً للأخلاق والقيم.

يمكن القول، إن الأسرة وفق مفهوم “الغرس” أو “الإنبات” هي التربة التي وضعت قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر القاسمي، جهودها الكبيرة لتهيئتها، حيث تبرز انطلاقاً من عدة مؤسسات تهتم بالأسرة وأفرادها، أهمها ” إدارة التنمية الأسرية وفروعها” التي تأسست في عام 2000، وهي الوجهة الأساسية للأسرة وأفرادها، والقضايا والتحديات التي تواجههم، لتكون عونا لهم وتساعدهم على إيجاد الحلول المناسبة بهدف بناء أسرة مستقرة ومتماسكة في إمارة الشارقة.

أما “مؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين” فهي أول مؤسسة إماراتية وعربية وإقليمية تسعى إلى بناء جيل إماراتي قادر على قيادة المستقبل والتأثير فيه، ملتزماً بهويته الوطنية، وذلك من خلال برامج تقودها مؤسسات فرعية تمتد جهودها على مدار 25 عاماً من عمر منتسبيها الأطفال والناشئة والشباب.

تنضوي تحت مؤسسة “ربع قرن” التي تأسست بتوجيهات سمو الشيخة جواهر القاسمي، في العام 2016، كل من “أطفال الشارقة”، “ناشئة الشارقة”، “سجايا فتيات الشارقة”، “الشارقة لتطوير القدرات”، وهي مؤسسات تتولى تنشئة الأجيال الجديدة بدءاً من مرحلة الطفولة إلى الشباب، كل واحدة منها تسلم المنتسبين لمن يليها، وذلك وفق برنامج تعليمي أكاديمي، إبداعي، رياضي، وطني، شامل يستهدف غرس القيم السليمة في الأجيال الجديدة وتطوير مهاراتهم على المستويات كافة.

تتجسد في هذه المنظومة المتكاملة من المؤسسة الرؤية بعيدة المدى لسمو الشيخة جواهر القاسمي، إذ تقدم منهجاً طويل النفس، ثابتاً، ومستداماً، ينتظر النتائج المضمونة، ويسير ضمن رؤية كبيرة وشاملة وضعها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تؤمن بالأثر التراكمي، والمستدام، وتلتزم بمبدأ التكامل في الجهود للوصول إلى التطلعات.

توجهت سمو الشيخة جواهر القاسمي، بعد أن أسست لهذه المنظومة إلى الفئات الاجتماعية التي تملك طاقات كامنة، إذ تضم مجموعة المؤسسات التابعة لسمو الشيخة أكثر من 25 مؤسسة مقسمة على أربعة قطاعات حيوية أساسية وهي: تنمية قدرات الأطفال والشباب، تمكين المرأة، الارتقاء بالمجتمع والأسرة، والعمل الخيري والإحسان. وتختص كل واحدة من المؤسسات التابعة لسمو الشيخة، باستنهاض الطاقات، وفتح الآفاق أمام الفئات المستهدفة فيها، لتجد طريقها في مسيرة النهوض بالمجتمع.

 

وحتى يتجاوز فعل هذه المؤسسات مجرد الحضور التقليدي محدود التأثير في المشهد اليومي للإمارة، حددت سموها وظيفة كل مؤسسة بما يتجاوز العمل الروتيني ليصل إلى التأثير التنموي الذي يبدأ ببناء ثقافة الفرد وتوصيف علاقته بمجتمعه ومساهمته في بناء مستقبل أمته، لهذا تعتبر المؤسسات العاملة تحت مظلة سموها من أكثر المؤسسات فاعليةً على مستوى المنطقة، أما فيما يتعلق بالعمل المجتمعي الدولي، يبدو واضحاً لكل متابع بصمات وتأثير سموها ليس بالعمل فقط بل وبالمفاهيم التي تحرص سموها على تصويبها بالاتجاه الذي يخدم الإنسانية جمعاء.

بناء جيل من القادة

من خلال مؤسسة فن على سبيل المثال ومهرجان الشارقة السينمائي للأطفال والشباب الذي تنظمه المؤسسة، أطلقت سموها رسالة بأهمية تهيئة جيل قادر على التمييز بين ما يخدم مجتمعاتهم وما يضرها من فنون وترفيه، وقادر على بناء تجربته السينمائية الخاصة، تجربة يقدم فيها ثقافته وهويته وقيمه الأصيلة.

 

وبرز إلى جانب جهود سمو الشيخة جواهر، تجربة مميزة في الدولة والمنطقة، وهي “إدارة سلامة الطفل”، فقد انطلقت في العام 2011 تحت اسم “حملة سلامة الطفل”، كإحدى مبادرات المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، واستمرت في عملها كحملة حتى إصدار سمو الشيخة جواهر في أكتوبر 2018، قراراً إدارياً قضى بتأسيس “إدارة سلامة الطفل”، لتأتي استكمالاً لأهداف ورؤية الحملة، في نشر الوعي بأهمية المحافظة على سلامة الأطفال وحمايتهم وتحقيق الاستقرار الاجتماعي لهم، وصولاً إلى مجتمع يتمتع فيه الأطفال بالصحة النفسية والسلامة الجسدية.

المجتمع حصن ذاته

أما من خلال جمعية أصدقاء مرضى السرطان، ومبادرتها الأكثر تأثيراً على صعيد الوعي الصحي المجتمعي “القافلة الوردية”، أصبح المجتمع حصن نفسه، حريص في ممارساته على حماية الأرواح والصحة العامة، لم يعد مفصولاً عن واجباته تجاه موارده البشرية، كما عززت القافلة الوردية من حس الانتماء والتطوع والمشاركة والتفاعل من أجل التوعية بمرض السرطان وكيفية مواجهته والحد من آثاره.

وقادت سمو الشيخة جواهر القاسمي، انطلاقاً من التجربة الناجحة لجمعية أصدقاء مرضى السرطان، جهوداً نوعية لتعزيز الوعي بالقضايا الصحية، فأسست الجمعيات الداعمة للصحة ضمن إدارة التثقيف الصحي بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة: جمعية أصدقاء مرضى السكري، وجمعية أصدقاء مرضى التهاب المفاصل، وجمعية أصدقاء مرضى الكلى، وجمعية أصدقاء الرضاعة الطبيعية.

فهم سليم لقضايا المرأة

وعلى صعيد المرأة، أسست سمو الشيخة جواهر “مجلس سيدات أعمال الشارقة” بهدف دعم سيدات الأعمال في مراحل مختلفة من مشاريعهن، من خلال نهج شامل مستدام، إذ يوفر المجلس الخبرة والإرشادات التي تغطي جميع جوانب المشاريع التجارية، ويضم أكثر من 2000 عضوة من مختلف القطاعات من دولة الإمارات العربية المتحدة وجميع أنحاء العالم، بما في ذلك بريطانيا والبرازيل والكويت، ويكرس المجلس جهوده لتحقيق الاحتواء الشامل للمرأة في القطاع الاقتصادي، وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال والمشاريع المستدامة في إمارة الشارقة – دولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي المقابل عملت مؤسسة “نماء” والمؤسسات التابعة لها والتي تشمل في تخصصاتها سيدات الأعمال والحرفيات ورائدات الأعمال الناشئة وصاحبات المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومنصات التعليم والتدريب المهني، على أن تكون إمارة الشارقة بيئة صديقة وجاذبة لرائدات الأعمال، من خلال تعزيز الوعي الذاتي للمرأة وبناء الشراكات واستحداث السياسات والتشريعات الملائمة.

وحتى تتحقق هذه الرؤية، تحرص سمو الشيخة جواهر القاسمي على تصحيح الثقافة السائدة في ساحة تمكين المرأة، وتؤكد دوماً على أن الرجل ليس عائقاً في سبيل تمكين المرأة، بل الجهل والفقر والخوف وغياب العوامل المشتركة. وتربط سموها بين قضية المرأة ودور المجتمع من خلال التوضيح بأنه لا يمكنُ الحديثُ عن تمكينِ المرأةِ بدونِ الحديثِ عن تأهيلِ المجتمعاتِ وثقافتِها.

 

أثر مستدام لرعاية ودعم اللاجئين

بالفكر غير التقليدي ذاته تعاملت سمو الشيخة جواهر القاسمي مع اللاجئين من خلال قيادتها “مؤسسة القلب الكبير” التي أطلقتها في العام 2015، حيث تركز سموها على الأسباب وليس النتائج فقط لتذكر العالم بأن قضية اللجوء تسببت بها جملة من العوامل التي ينبغي عدم الانشغال عن معالجتها، حيث قالت في إحدى المناسبات، إلى جانب تسليط الضوء على الاحتياجات غير المادية للاجئين.

 

الأمر نفسه ينطبق على التراث والرياضة والفنون التي تؤكد سمو الشيخة جواهر القاسمي بأنها عناصر معادلة الحضارة الأساسية، وبانية شخصية الفرد وهوية المجتمعات، وصانعة العلاقات السامية بين الأمم.

 

استثمار في أثر الثقافة

ولم تقف جهود سمو الشيخة جواهر عند تلك المبادرات وحسب، وإنما قدمت نموذجاً نوعيا في بناء مجتمعات المعرفة من خلال الاحتفاء بالفنون والآداب بوصفها أحد الأدوات المركزية في صياغة وجدان المجتمعات، والنهوض بوعيها، والكشف عن تأثيرها في صياغة مستقبلها، واستحدثت ضمن المؤسسات التابعة لـ “المجلس الأعلى لشؤون الأسرة” “المكتب الثقافي والإعلامي”، الذي يقود جهوداً كبيرة في تنظيم المعارض، والفعاليات والأنشطة الفنية والأدبية، ويصدر واحدة من أبرز المجلات الثقافية في الإمارات “مجلة مرامي”.

 

يتولى المكتب تنظيم “ملتقى أديبات الإمارات” لتحقيق التلاقي بين أديبات الدولة في اجتماع سنوي لتقديم الأوراق الإبداعية المتجددة، وينظم “جائزة الشارقة الثقافية للمرأة في مجال الشعر والرواية والدراسات الإنسانية” بهدف دعم الأدب الروائي والشعري للمرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، وإثراء الحياة الثقافية في المنطقة بالبحوث والدراسات الثقافية الأصيلة، إلى جانب سلسلة من المهرجانات والمعارض والفعاليات.

بهذا الجهد وغيره لسمو الشيخة جواهر القاسمي، يعود المتابع دوماً لجذور المسألة وهي المجتمع، فالمجتمعات الإنسانية بنشاطها وتفاعلها تنتج الثقافة التي نصف بها كل قضية وعلى أساسها نتعامل معها، وهذه المجتمعات ستظل بحاجة لرموزها ونماذجها التي تلهمها الطريق نحو الازدهار، لهذا ولغيره الكثير الذي لا يحصى كماً أو نوعاً، تستحق سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي بأن تتوج شخصيةً رائدة في العمل الاجتماعي والأهلي على مستوى المنطقة والعالم أجمع.

(Visited 13 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *