سيادة العراق أولاً / حسين فوزي

سيادة العراق أولاً / حسين فوزي

حسين فوزي
رحم الله فيصل ابن الشريف حسين، رحم الله كل من تفاوض مع حكومة الشاه رضا عباس بهلوي، لترسيخ وجود الدولة العراقية الفتية: المملكة العراقية الهاشمية.
لم تعترف إيران بالدولة العراقية الفتية، وكان الملك فيصل الأول حريص على تحري نقاط التقارب إن لم يكن التفاهم مع الجوار، بالأخص مع الدولتين الكبريين الجارين إيران وتركيا، بل وحتى المملكة العربية السعودية التي حاربت أباه فتنازل عن العرش، وبعدها خلعت أخاه الأكبر الملك علي الذي التجأ إليه في بغداد.
فمن جهة كان العراق “منسلخ” بقوة الاحتلال البريطاني من الإمبراطورية العثمانية “التي لم تكن تغيب عنها الشمس في زمن غابر، إما إيران فلها في العراق ما بعد القبلة والحرم النبوي الشريف، شأن بقية المسلمين، مراقد كوكبة من أل بيت سيدنا الرسول، على رأسهم سيدانا الإمامان علي والحسين.
كان فيصل الأول رجل دولة، بعد أن اثبت انه قائد حرب، في كل المجالات كان محنكاً صبوراً له رؤية إستراتيجية تتخطى حسابات المنطقة إلى الوعي بقوة التجاذبات العالمية حتى غير المنظورة، فأسترضى مؤسس تركيا الحديثة أبو الأتراك (أتاتورك) المعاصرين الجنرال مصطفى كمال، بتأكيد حرصه على العلاقات الطيبة مع تركيا، وموقفه الخفي في التحفظ على السلطات البريطانية الجاثمة على صدر عرشه وهي في الحقيقة الحامية له. معادلة فيها كل المفارقات، وجد فيصل فيها بحنكته ما يصوغ منها معادلة التلاقي والاحتواء وفق مقولته المشهورة “خذ وطالب” و” ما يطلب كله لا يرفض جله”. كان فيصل معجب بكمال أتاتورك في تأسيسه الدولة التركية الحديثة، وكان هذا الإعجاب الشخصي، قد خفف من تشنج الدولة التركية مع الدولة العراقية الفتية، بالأخص بعد بدء تسلم أنقرة عوائد من نفط الموصل لمدة 20 عاماً، فكان الاعتراف التركي بالعراق في 15 آذار 1927.
أما بالنسبة للجارة الكبرى الأخرى إيران، فأن موقفها حيال قيام دولة عراقية حديثة كان سلبيا، ولم تقبل إيران الاعتراف بالدولة العراقية رغم الضغط البريطاني ومحاولات الحكومة العراقية الودية معها. لكن بعد جهود كبيرة صبورة من الملك ومساعديه الأوائل، سافر في 20 نيسان 1929 وفد عراقي للمشاركة في احتفالات تتويج الشاه رضا بهلوي، فتم خلال الزيارة اعتراف إيران بالمملكة العراقية في 25 نيسان 1929، وفي آب من نفس العام تم عقد اتفاقية لتنظيم العلاقات بين البلدين في مجالات متعددة.
وبقيت المشكلة مع إيران، التي كانت قبل عام 1934 اسمها فارس، الحدود المائية في شط العرب التي كانت أس الخلاف بينها وبين الدولة العثمانية. وبدأ التخطيط الدقيق للحدود العراقية الإيرانية عام 1911، بناء على طلب كل من روسيا القيصرية وبريطانيا، اللتان كان لهما أطماعاً استعمارية في المنطقة، وفي 1913-1914 تشكلت لجنة من بروتوكول القسطنطينية لتعريف الحدود المعدلة، بحيث تكون السيطرة على كامل شط العرب للدولة العثمانية، أي أن خط الحدود يطابق الضفة الشرقية للممر المائي عدا في المنطقة المحيطة ببلدة المحمرة (خرمشهر) حيث تتبع خط القعر (خط التالوغ).
في عام 1934 شككت إيران في قانونية كل من معاهدة أرضروم وبروتوكول اسطنبول، وفي ظل انقلاب بكر صدقي وتزعزع الوضع الداخلي العراقي، تم حل الخلاف عام 1937في معاهدة الحدود الإيرانية العراقية بإتباع الخطوط العامة للحدود القديمة، عدا المنطقة المحيطة مباشرة ببلدة عبادان الإيرانية، حيث نـُقِلت الحدود من الضفة الشرقية إلى خط القعر مثلما حدث حول المحمرة قبل عقدين.
وهناك مؤشرات متطابقة للعديد من السياسيين والمراقبين تؤكد أن الدولة الإيرانية كانت مهتمة بقضية أخرى بجانب الحدود الإيرانية لولاية الأحواز على ضفاف شط العرب، وهي القضية التي كسبت فيها طهران طردياً في العهد الملكي في اتفاقات 1929 و1937، ومن بعدها في فرض الأمر الواقع بالقوة بعد 14 تموز حيث اعتبرت ممر شط العرب خاضعاً عملياً لمعايير خط التالوك، وهذه القضية هي “كيفية”الوصول إلى مراقد أسباط الرسول، وتؤكد العديد من الوثائق أن أحد المطالب التي قدمت للملك فيصل الأول شريطة الاعتراف بالمملكة العراقية الهاشمية، هي أن يكون هناك ممر لإيران بعرض 30 كم إلى كربلاء والنجف، وهو ما رفضه الملك، وأستطاع ورجالاته أقناع الشاه رضا في منح طهران امتيازات استثنائية للمقيمين الإيرانيين في كربلاء والنجف بجانب تسهيلات الزيارة، “التي كانت تسيطر عليها” المنافذ الحدودية بشكل نسبي، فتهريب الشاي والأفراد من البصرة إلى المحمرة وعبادان مثلاً كان من أسهل العمليات، أما تخطي الحدود من قبل الأفراد ليلاً للعبور إلى عبادان فكان حالة معتادة حتى نهاية خمسينات القرن العشرين.
اليوم قضية خط التالوغ باتت حقيقة قائمة لم تستطع الحرب على إيران لمدة 8 أعوام اقتلاعها، وهي مسألة تكون مقبولة أكير من قبل العراقيين، في حالة التزام الجارة إيران ببقية بنود اتفاقية الجزائر 1975بشأن الحدود البرية العراقية، التي ما زالت إيران تتمسك بأراض نصت الاتفاقية على أنها عراقية.
واليوم حين تتقدم أفواج مليونية لزيارة عتبات أسباط الرسول فهي حالة تؤكد قيمة الأرض العراقية بأعين كل المؤمنين، من سنة وشيعة، وهي حالة مرحب بها، لأنها تؤكد أن الزعامة الدينية الإسلامية عربية وستظل عربية، وإن أبن عم الرسول الإمام علي وأبنائه وبناته أسباط الأب الفكري لسيدنا علي تجمعنا مع الأخوة في إيران وبقية الشعوب الإسلامية، وليس ولاية الفقيه. لقد رفض فيصل الأول فكرة الـ 30 كلم ممراً للزوار الإيرانيين، والسؤال الكبير: هل باتت منافذنا العراقية جميعها اليوم ممراً مفتوحاً للإيرانيين؟؟!
والسؤال الأخر هو: ألم يكن في وسع السلطات الإيرانية والعراقية تنظيم زيارة الأفواج المليونية بطريقة أفضل، سواء باحترام السيادة العراقية ومنافذها الحدودية، أو توفير رعاية وخدمات تتجاوز إطعام الزائرين الإيرانيين تحت لهيب شمس جهنمية؟؟؟ أم نحن خان جغان (والصحيح جغالة)؟؟؟
بالمناسبة حين مشى جيش الشاميين بقيادة سعد بن أبيه حاملاً رأس سيدنا الإمام الحسين على رمح، أغلق الناس في كل المناطق التي مر بها بيوتهم ومحالهم بوجه جيش الأمويين، حتى أنهم لم يجدوا كسرة خبز في عنه العريقة، وهي المناطق التي تعرف بأنها سكن أهل السنة، وهم كانوا وسيظلون على سنة الرسول بحب آل البيت، وليس كما يظن بعض الجهلة….فالحسين ومن قبله علي يجمعان كل على المسلمين على حب الحق وكره تجبر الفاسدين من أمويين وغيرهم…وسيظل الإمامان العربيان علي والحسين وأحفادهما من “سنن” النزاهة و”النضال” جهاداً من اجل العدالة يجمعون المؤمنين وبقية الإنسانية وليس ولاية الفقيه، بالأخص في عراق النهضة التي رفع لواءها مبكراً الشريف حسين ومن بعده فيصل الأول وأجيال من السياسيين العراقيين من غير المغامرين في حروب عبثية.

(Visited 19 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *