كتبت: ابتهال العربي
كتب أحدهم إعرفوا الحقيقة لتبكوا على حالنا متسائلا ً لماذا اليابان هكذا؟.. وتلك حقائق قد تكون غائبة عن البعض منا، رغم أن الكثير منا يمجِّد ويمدح الحياة في أوروبا، فالفارق كبير! ..
وبالرغم من أننا نمتلك ثروات وموارد قادرة أن تنقلنا إلى مراحل أفضل، إلا أن سوء إدارتها جعلنا نتخلَّف.. والأسوأ من ذلك نكسر أجنحة كل ناجح وطموح ونرميه في خانة المهملات متناسين غير مراعين أن هؤلاء المتفوقين يمكِّنون البلاد من العبور إلى مراحل الأمان والتطور بخبراتهم وقدراتهم الفذة وطموحاتهم المبهرة.. والطالبة زينب علي عبيد إحدى أصحاب تلك القدرات المتميزة، دأبت على طريق نجاحها واجتهدت إلى تفوقها الذي حصلت عليه بجد لا لعب لكنها لم تجد من يصفق لها بل من يضحك عليها ويهزأ بطموحاتها وأحلامها التي ضاعت… وقبل الغوص أكثر في قصة هذه الطالبة نعود لصاحبنا الذي وضع حقائق صادمة بالنسبة لنا عن دولة اليابان بهدف التعريف والمقارنة بين حال الدول المتطورة وحالنا، هذه المقارنة تعد مأساة تروح بنا للإحباط واليأس عند سماع أو رؤية أي شي كالذي سنقرأه…..
في اليابان تُدَّرس مادة من أولى إلى سادسة إبتدائي إسمها الطريق إلى الأخلاق يتعلم فيها التلاميذ الأخلاق، والتعامل مع الناس، لايوجد رسوب من أولى إبتدائي إلى الثالث متوسط، لأن الهدف قبل التعليم هو التربية وغرس المفاهيم وبناء الشخصية، بالرغم من أن اليابان شعباً غنياً، لكن ليس لديهم خدم فالوالدان هما المسؤولان عن البيت والأولاد، أما الأطفال ينظفون صفوفهم كل يوم لمدة ربع ساعة مع مدرسيهم، والهدف خلق جيل متواضع وحريص على النظافة، إن هؤلاء الأطفال يأخذ كل منهم فرشاة أسنانه معه لينظفها بعد الأكل في المدرسة، حفاظاً على صحة الأسنان، أما عامل النظافة في اليابان يسمى (مهندساً صحياً) يتقاضى 5000 إلى 8000 آلاف دولاراً في الشهر، ويخضع قبل العمل لإختبارات، ويُمنع استخدام الهاتف الجوال في القطارات والمطاعم والأماكن المغلقة، إذا ذهبت إلى مطعم هناك فيه بوفيه، سترى أن كل واحد منهم لا يأكل إلا بقدر حاجته، ولايترك أكلاً زائداً عن الحاجة، كما أن معدل تأخر القطارات في اليابان إن معدل تأخر الايطارات يُقدر بثوانِ في السنة، لأنه شعب يقدر قيمة الوقت بدقة متناهية، كل ذلك يثبت تعاستنا ونحن نقبع في عالم الحرب والفساد والإهمال الذي يقتل الحياة في مدننا وفينا، أما زينب فقد قُتل حلمها الذي ركضت وراءه إلى بريطانيا متوقعة أن الإهتمام والتقدير سيلوحها وبأقل تقدير ستحصل على وظيفتها الحكومية بعد وعد السيد وزير التعليم الذي قطعه لها ولم يف به !؟ ومالذي جرى لزينب بعد أن وجدت نفسها في عالم الوهم وذوبان الحلم ؟ … هنا تروي زينب قصتها بحزن وألم يصاحبهما دموع ولوم كبير بعد أن رفعت علم العراق في بريطانيا، لعدم تقدير جهودها ونجاحها بتفوق كبير، قائلة: حالياً لدي ماجستير هندسة برامجيات من جامعة نورثامبتون البريطانية، درست في جامعة بابل و حصلت على بعثة كوني من الأوائل، وسافرت إلى بريطانيا فكنت الأولى في دروس اللغة متفوقة على الطلبة العراقيين وغير العراقيين، ثم انتقلت إلى مرحلة البكالوريوس فكنت الأولى وكذلك مرحلة الماجستير، بعدها نُشر لي بحثين مهمين، لكن كل هذا التعب والإنجاز ذهب دون فائدة ! ، لقد كانت زينب تجلس بالساعات في غرفتها تدرس ليلاً مع نهار لكي تنجح وتكون من الأوائل، تلك كانت رغبتها ورغبة الوزير ،حيث أعرب لها عن أمله في إحدى التكريمات أن تكون الأولى وترفع إسم العراق، لذا وفت زينب بوعدها تحقيقاً لطموحها وتنفيذاً لوعدها، وبعد العودة للعراق قابلت الوزير متأملة ومتمنية أن تحصل على تقديرها حسب قولها “هديتها” ، متصورة أن العراق سيحتضنها وستحتفل بها جامعتها وسيقدم الوزير لها وظيفتها، لكنها تفاجأت بتحطيم كل آمالها التي بنتها، بعد تعُذّر الوزير “بالتقشف” حسب تعبيرها، رغم أن أقرانها توظفوا دون أن يبذلوا مجهوداً أو يكونوا من الأوائل مثلها !!! ، ذلك هو جزاء الكفاح والنجاح ! وفق مبدأ معاكس لقول من جد وجد، واتعب تلعب، ومن طلب العلم سهر الليالي…..
القصة هي قصة مثابرة و وفاء لكن النجاح أحياناً لا يُقابل بالتقدير بل بالتدمير في بيئة يشوبها تلوث واسطات العم والخال وشدات سماسرة الظائف وبيع التعيينات والأحلام، في موطن يؤثر عليه الفاسدين فتذهب الحقوق إلى غير أصحابها وتُعطى التمييزات إلى غير مُستحقيها لتكون زينب وغيرها ضحية لنظام فاسد لاحدود لفساده… وفي يوم من الأيام سنقرأ خبراً في الصحف والمواقع الإخبارية عن المخترعة أو البروفيسورة أو الوزيرة زينب في إحدى الولايات الأوروبية ونقول: شوف الكفاءات كلها بالخارج لأن ميقدروهم لو يحاربوهم لو يدمرون عبقريتهم والغرب مستفاد منهم .