دارين السماوي / كاتبة تونسية
هل تريد أن تكون سعيد؟ هذا هو السؤال الوحيد الذي لوطرحناه على سكان الأرض كلها لكانت إجابتهم واحدة: نعم أريد أن أكون سعيد.
و مادام الكل يحلم بالسعادة و يطمح لها، لماذا إذا نجداغلب الناس لا يعيشونها؟ بل أغلبهم إذا تمعنت فيملامح وجهه لقرأت بين سطورها سعادة مصطنعة وتعاسة مخفية. لماذا لسنا سعداء؟ لماذا لا نعيش السعادة؟ مالذي يقف بيننا و بينها؟ في أغلب محاضراتي عندماأطرح هذا السؤال على الحاضرين تأتي الإجاباتمختلفة و لكنها تصب في كأس واحدة و هي كأسالظروف المرّة التي نتجرعها و التي تقف حائلة بيننا و بينطعم السعادة الحلو، الظروف هي الشماعة التي نعلقعليها فشلنا و تقاعسنا و عدم سعينا، الظروف هيالنظارة السوداء التي نلبسها لنرى العالم حالكا لا ضوءفيه و في الحقيقة لو مددنا يدنا إلى هذه النظارة ومسحناها بقطعة من الأمل لرأينا منظرا خلابا و رائعايسرّنا و يسعدنا. لماذا لا نعيش السعادة؟ ألأنّنا لانستحقها؟ أم لأنّنا نراها بعيدة عنا و نرى أنفسناعاجزين على الوصول اليها؟ أم لأننا نراها حكر علىأصحاب الملايين و الشهرة و المحظوظين؟ هل السعادةحظوظ؟ يمكننا أن تطرح ألف سؤال و سؤال ذون أننصل إلى نتيجة و لكن دعني أنا و انت نكون عمليين وصادقين مع أنفسنا.. تعالى نتصارح و نعترف بأننا نحنمن يقف حائلا بيننا و بين السعادة.. و قبل أن تسألنيكيف دعني أسألك أنا… هل تستمتع يا صديقيبتفاصيل حياتك الصغيرة؟ هل ترى فيها مصدراللسعادة؟ أم أنك تحمل في عقلك و قلبك لائحة الشروطالتي لو تحققت سوف تكون سعيد و الا فلن تسعد أبدا؟ نحن يا صديقي لا نعيش السعادة لأنّنا نضع لها شروطمجحفة و مكلفة فتقف أمامنا عاجزة مع رغبتها فيمعانقتنا و لكنها عندما تنظر إلى لائحة الشروط المجحفةالتي نخطها بأيدينا تولّي هاربة لتعانق أحدا فتح لهاذراعيه برغم ما يمرّ به من ظروف عصيبة.
و تعالى أنت و أنا نلقي نظرة على لائحة الشروط هذهالتي جعلت السعادة تهرب منا، إنها قائمة طويلة فعلا : سيارة فارهة تليق بنا ، حب مثالي يعوضنا عن مامضى ، منزل فخم بأثاث ملكي ، جسد قوي و خارق لايعرف المرض و لا التعب، مشروع يدر علينا اموالا كثيرة، رصيد بنكي محترم جدا ، وقت فراغ نستطيع أن نمارسفيه ما نريد لأنّ الأربع و العشرون ساعة ليست كافيةبالنسبة لنا، رحلة إلى أوروبا أو أمريكا مع إقامة فيأرقى النزل نأخذ اثناءها مجموعة من الصور ننشرهاعلى مواقع التواصل الاجتماعي لنقول للآخرين انظرو كمنحن سعداء، رجل وسيم مفتول العضلات و ثريّ وصاحب جاه و سلطان للزواج لأن المال هو السعادة ، فتاةجميلة كحورية بحر لا خطأ فيها تجيد كل كلمات الحب وكل أنواع الغنج و الدلال، سهرة رومانسية على شاطئالبحر في جزيرة أو منتجع عالمي حتى يعود الحب والرومانسية إلى حياتنا من جديد. تخيل معي لو أن لديككل ما سبق.. هل ستكون سعيدا يا صديقي؟ و قبل أنتهز رأسك بفرح و تجيني بنعم
دعني أخبرك بأن هناك من يملك كل هذا و ليس سعيدا، لأن حتى هذه اللائحة التي تراها مثالية إن امتلكتهاستصبح عادية بالنسبة لك و سوف تبحث عن أشياء أخرى تجلب لك السعادة هكذا نحن بني البشر نبقىفي بحث دائم عن المفقود و لا نسعد أبدا بالموجود وتبقىلائحة السعادة في تغيير مستمر حسب ما نملك و ما لانملك و إن دققنا في حياة المحظوظين من حولنا و الذين يمتلكون لائحة طويلة للسعادة سنرى بنظرتناالسطحية للأشياء أنهم أسعد الناس و أنه لا يحق لهمأبدا أن يكونوا في قائمة التعساء مثلنا و لكن إن فتحناأعيننا جيدا على الحقيقة سنرى أنّ الكثير من هؤلاء إنامتلك شيئا يفتقد الآخر، إن امتلك مالا يفتقد العافية و إنامتلك العافية يفتقد الحب و إن امتلك الحب يفتقد العلم وإن امتلك العلم يفتقد الأهل و إن امتلك الأهل يفتقد القربمن الله و هكذا لن نجد أحدا منهم يعيش حياة الكمال و لاالسعادة التي نتصورها نحن لذلك إذا أردت أن تكونسعيدا كن أبسط من هذا بكثير.
مزّق هذه اللائحة التي تسكن دماغك و أعد كتابة لائحةأخرى إن قرأتها السعادة لن تهرب منك أبدا بل ستعانقكو ترقص معك على لحن الحياة.
أكتب لها بأنها من الممكن أن تتجسد لك في ابتسامةطفلك لأنّ العديد من الذين لم يرزقوا بأطفال يتمنون أنيروها و لو للحظات و أن يشعروا بهذا الشعور الجميل، في دعوة من أمك و نصيحة من أبيك فالعديد ممن رحلعنهم آباؤهم و أمهاتهم يتمنون لحظة واحدة يسمعونفيها صوت أمهم أو أبيهم.
قل للسعادة بأنها يمكن أن تجلس معك على ناصية مقهىعتيق في شارع من شوارع بلدك صحبة صديق وفيّ تجمعك به مشاعر بعيدة عن المصلحة و حب الذاتتترشفان قهوة بطعم الأصالة و تتجاذبان أطراف حديثالذكريات التي خلّفت وراءها دروسا في الحياة.
قل لها بأنها من الممكن أن تعانق يدك عندما تعانق أنتأحد أفراد عائلتك أو شخصا عزيزا على قلبك فتلكالمشاعر التي تغمرك في تلك اللحظة لا يمكن إلاّ أنتشعرك بسعادة غامرة.
حدّث السعادة عن شعورك و أنت ترى نفسك تنجح وتتقدم في مصاف المتميزين و تنحت في الصخر و تتعبو تتلذذ بطعم التعب و تواصل طريقك نحو القمة.
قل للسعادة بأنها تسكن في تلك التفاصيل الصغيرة، فيمكالمة من صديق يسأل عنك لأنه لم يراك منذ مدة فانشغلباله، في دعوة شيخ كبير لك بالتوفيق عندما تركت لهمقعدك في الحافلة، في نظرة امتنان من سيدة عجوزأعنتها على حمل قفة ثقيلة بيدها، في نظرة اعجاب ثمقصة حب ثم شراكة حياة بحلوها و مرّها و لكنها مليئةبالوفاء و المودة، في لحظة جنون تعود فيها كطفل فتجريمع أطفال الحي تقاسمهم لعب الكرة فيفرحون ويضحكون و كأنّ من يقاسمهم اللعب أشهر لاعب كرة فيالعالم.
قل للسعادة بأنك تراها جيّدا في لحظة ضعف و انكسارمررت بها فمدّ لك أحدهم يد المساعدة و طبطب على كتفكفجعل القوة تسري فيك بعد أن أحسست بالوهن قل لهابأنها موجودة في كلمة طيبة سمعتها من جار أو زميلفأعطتك انتعاشة ككأس شاي ليمون بالنعناع.
قل للسعادة بأنها موجودة في القناعة و الرضاء و الشكرو الامتنان الذي تشعر به كل يوم في كل نعمة متعك اللهبها، قل لها بأنك في هذه اللحظة و أنت تقرأ هذا المقالتشعر بالسعادة لأنّ الله متعك بنعمة البصر و نعمة العقلالتي حرم منها الكثيرون في هذا العالم.
قل للسعادة بأنك تشعر بها في كلّ لحظة و كلّ حركة و كلّ سكون، ابتسم أجل ابتسم الآن دعها ترى ابتسامتكدعها تبتسم لك دعها تصاحبك و اجذبها إليك و اجعلهاعادة حتى تتعود هي عليك و سترى كم ستكون الحياةجميلة و ممتعة بدون لائحة و لا شروط مجحفة و لاتعقيدات يجب أن تريد السعادة و ان تجعلها في حياتكعادة لان السعادة يا صديقي تأتي بالإرادة