دارين السماوي / كاتبة تونسية
يجهل العديد ممن يزورونني في العيادة للعلاج من مشكلاتهم النفسية باحثين عن الخلاص منها أنّ الحلّ لا يكمن دائما في كبسولة أو في جلسات مطولة من العلاج بل قد يكون الأمر أسهل من ذلك بكثير و يستغرب البعض منهم عندما أقول لهم بأنّ حلّ مشكلتهم يكمن في تخصيص بعض الوقت لفعل الخير. قد يظن البعض أنّي أحثهم على فعل الخير من باب الأجر و المثوبة عند الله و الأمر طبعا لا يخلو من هذا و لكنّي أستند في استشارتي هذه إلى العلم أيضا. العديد من الدراسات العلمية أثبتت أنّ فعل الخير من شأنه أن يساعد بنسبة كبيرة في شفائنا من أمراض عديدة كالضغط النفسي و القلق و الاكتئاب و أمراض القلب و المفاصل و أمراض الجهاز الهضمي و أذكر من هذه الدراسات واحدة أجريت في جامعة مشيغان قامت بها الدكتورة ستيفاني براون أثبتت أنّ فعل الخير من شأنه أن يخفض من التوتر العصبي الذي يعيشه معظمنا و الذي يشكل خطرا على صحتنا و منشأ للعديد من الأمراض العضوية و قد أثبتت هذه الدراسة أنّ مجموعة من المتطوعين الذين قاموا بأعمال خيرية كانوا قد كلفوا بها في إطار التجربة قد انخفض لديهم مستوى هرمون الأدرنالين و أصبحوا يعيشون حالة من الراحة النفسية و الهدوء كما أنّ جهازهم المناعي أصبح أكثر قدرة على مقاومة الفيروسات و الالتهابات و أنّ البعض منهم ممن كان يعاني من اضطرابات النوم و الأرق أصبح نومهم أكثر عمقا و ليلهم أكثر هدوء كما أنّ البعض منهم ممن كان يعاني اضطرابا في نظم القلب و ارتفاعا في ضغط الدم قد تحسنت حالتهم بنسبة كبيرة و الجميل في الأمر أنّ هذا التحسن الصحي لم يشمل فقط أولئك الذين قدموا الأعمال الخيرية بل الذين تلقوها أيضا حيث أنّ هذه الأعمال قد بعثت الشعور بالإيجابية و السعادة في نفس كل من المرسل و المتلقي كما أنّ العديد من الدراسات العلمية اتفقت على أنّ لفعل الخير فوائد لا تحصى و لا تعد على الصحة النفسية و العقلية أيضا حيث أنّ فعل الخير يعزّز ثقة الشخص في نفسه و يزيد من احترامه لذاته و رضاه عنها هذا بجانب الشعور بالفخر و التميز. دراسة علمية أخرى أجريت في جامعة بنسلفينيا على مجموعة من الطلاب الذين كانوا يتجهزون لاجتياز الامتحانات النهائية حيث أقرّ العديد منهم ممن كلّفوا بأعمال خيرية أنّ ذاكرتهم تحسنت أكثر و قابليتهم للاستيعاب ازدادت كما أنّ مشاعر التوتر و القلق انخفضت عندهم بشكل كبير و هذا يجعلنا نتذكر قول الله سبحانه و تعالى “من يعمل مثقال ذرة خيرا يره” و قول رسول الله صلى الله عليه و سلم “صنائع المعروف تقي مصارع السوء” فعلا ففعل الخير قد يقينا العديد من الأمراض التي من الممكن أن تكون خطرا على حياتنا. لذلك يا صديقي ضع في لائحة أعمالك اليومية فعل خير و لو صغير و لا تحقرنّ الخير مهما صغر، أغث ملهوفا، فرّح طفلا بلعبة، أطعم جائعا، اكسي فقيرا، قل كلمة طيبة لشخص تحبه، ابتسم في وجه من تعرفه و من لا تعرفه المهم أن تحافظ على صحتك بفعل الخير و أن تجعل من صنائع المعروف في حياتك دواء شافيا لكل العلل و تذكر إنك إن زرعت خيرا ستحصد أجرا و صحة و عافية.