بقلم : عماد البرهان
عندما يتحدث المسؤول و يطلق الوعود و يحدد التواريخ فجميعنا يتوقع ان حديث المسؤول هذا ينبع من حسابات صادقة لها اسس يستند اليها بناءا على فهم للمشكلة التي يعد بحلّها و نتوقع ان تصريح المسؤول او الوزير لا أحد يجبره عليه بل هو وعد خالص لمصلحة المؤسسة او الوزارة.
و لكن ما يدعوا للاسى هو استغلال مشاكل المؤسسات لتحقيق سبق اعلامي سرعان ما نكتشف ان اساسه هو الكذب و التدليس لتحقيق انجاز هو محض احلام ليست في الواقع بشيء.
ان الطيران في العالم يرتبط بمنظومة و متطلبات السلامة, و تعبتر سلامة التشغيل للرحلات الجوية العابرة للاجواء او المستخدمة للمطارات اولوية قصوى لدى جميع دول العالم لدرء وتقليل المخاطر. فالطيران من هذا المنطق يعتمد على معايير دولية ترتبط بها جميع دول العالم دون استثناء.
لقد انشأت دول الاتحاد الاوربي منظمة تعنى بسلامة الطيران و هي ” منظمة السلامة الاوربية ” التي تدعى اختصارا بال EASA ، ووضعت هذه المنظمة معايير محددة للسلامة لجميع سلطات الطيران في دول الاتحاد و وضعت ايضا معايير محددة لجميع شركات الطيران المسجلة خارج دول الاتحاد الاوربي للتاكد من سلامة التشغيل للطائرات العابرة لاجواء اوربا و المساهمة لمطاراتها.
و لذلك شرعت هذه المنظمة في العام ٢٠١٢ باعلان معاييرها الفنية و طلبت من جميع شركات الطيران غير الاوربية بأثبات التزامها غير المشروط بها على شكل استمارة و حددت تاريخ ٢٤ / ١١ / ٢٠١٤ موعداً نهائياً لتتحول هذه المتطلبات الى شهادة تصدرها المنظمة لشركات الطيران التي تمتثل لهذه المتطلبات و تسمى ” شهادة مشغل البلد الثالث ” .
و لم تستطع الخطوط الجوية العراقية الايفاء بهذه المتطلبات و ادرجت على قائمة الحظر الاوربي في ايار ٢٠١٥ لاول مرة و اول الدول التي قامت بتنفيذ الحظر هي المملكة المتحدة في ٣٠ /٧ /٢٠١٥ و من ثم الدنمارك في ٦ /٨ / ٢٠١٥ و لحقت بها السويد في ٧ / ٨ / ٢٠١٥ و المانيا في ١٣ / ٨ / ٢٠١٥ و هكذا دخلت الخطوط الجوية العراقية في نفق الحظر بسبب سوء ادارة الملف و عدم مطابقة دليل الشركة اذا موجود على ارض الواقع … وشرعت وزارة النقل حينها باجراء تحقيق و طالت العقوبات موظفين في الخطوط و لكن لم تضع الوزارة حينها اي خطة للمعالجة و استمر الحال سنوات طويلة و المشكلة تراوح مكانها .
ان سوء فهم مشكلة الحظر ضيع جهود ايجاد حلول و ضيع سنوات من الحظر الذي يكلف الخطوط الجويه العراقيه سنويا ما لايقل عن ١٥٠ مليون دولار سنوياً و ضاعت مع هذه السنوات فرص حقيقية لنمو الشركة و تطورها.
و لذلك فقد استعانت الخطوط الجوية العراقية بالاتحاد الدولي للناقلين الجويبن الاياتا من خلال استشاريين يعملون في الخطوط و هو يعكس فهم شركة الخطوط الجوية العراقية المتطلبات الفنية التي يمكن من خلال الاستجابة لها ان يتم رفع الحظر ويفترض بوزارة النقل ان تساند جهود الشركة في هذا الاتجاه.
و بدل ان تساند الوزارة جهود ادارة الخطوط فنرى ان المسؤول الاول في الوزارة لا يعرف ان دول الاتحاد الاوربي تحترم مؤسساتها و ان هذه المؤسسات لا يمكن لاي مسؤول في الاتحاد مهما علا شأنه ان يتخطى المؤسسات و متطلباتها و ان هذه المؤسسات لا تجامل على حساب سلامة مواطنيها و ممتلكاتها و ان الاستجابة للمتطلبات الفنية ليست اختاريا و يمكن غض الطرف عنها بلقاء دبلوماسي او لقاءات مجاملات مطلوبة لتطوير علاقات و ليس للتجاوز على متطلبات تمس حياة الموطنين و المملكات.
و للاسف فان فهم الوزارة لمتطلبات رفع الحظر و اعتقادها ان حل مشكلة الحظر يمكن ان يكون من خلال اجتماع مجاملة مع ممثل الاتحاد الاوربي او من خلال الضغط بالطرق الدبلوماسية. هذا الفهم الخاطيء و غير المهني يقوض جهود الخطوط و منتسبيها لعبور نفق الحظر و في وزارة النقل اصبح موضوع رفع الحظر مجالاً للاستعراض بتحقيق انجاز فقد خرج السيد وزير النقل للاعلام بتصريحات رنانة في تشرين الثاني ٢٠٢١ من ان الحظر الاوربي على الخطوط سيتم رفعه في نيسان ٢٠٢٢ !! وها نحن دخلنا في ايار ٢٠٢٢ و قد ثبتت منظمة السلامة الاوربية اسم الخطوط الجوية العراقية في قائمة الحظر و تبخرت تصريحات الوزير الذي حاول استغلال موضوع الحظر اعلامياً لتلميع صورة فترة استيزاره التي حفلت بنقل موظفين و مئات اللجان تحقيقية و ايقاف مشاريع او محاولة عرقلتها و لاول مرة نرى وزارة تحث موظفين في تشكيلاتها على التظاهر ضد هذه التشكيلات ناهيك عن استخدام صفحات و منصات التواصل الاجتماعي المأجورة لمهاجمة من يعارض عمل الوزاره … و وصل تدخل الوزارة العلني الى مستوى غير مسبوق في اختيار شركة لنظام خدمات المسافرين للخطوط الجوية العراقية لفرض شركة بعينها قمة التدخل في امور فنية هي من شأن الخطوط وحدها فقط … بل ذهب المسؤول الاول في الوزارة الى الطعن بالوزراء السابقين بدل التركيز على الانجاز و تفعيل المشاريع و تنفيذها.
وعندما يكون المسؤول الاول في الوزارة بهذا المستوى من الفهم فلا يمكن ان يقدم حلول لتشكيلاته التي عانت كثيرا من سوء ادارته و تدخله المباشر في تفاصيل بدا التركيز على دعم تنفيذ المشاريع و تحفيزها.
و نجد الخلاصة في سوء الادارة و الفهم في اطلاق التصريحات الرنانة التي سرعان ما تنكشف بمرور الوقت و يظهر انها هواء في شبك الغرض منها الكسب الاعلامي المكشوف النوايا ومنها تحديد تاريخ رفع الحظر الاوربي الذي اثبت ان المسؤول الاول في الوزارة لا زال يعتقد ان حل مشكلة الحظر الاوربي تكمن في لقاء مسؤول في الاتحاد الاوربي !
هذه الذهنية يجب ان تكون خارج المؤسسة العراقية لانها تعرقل عمل المؤسسات و نأمل ذلك قريباً
تحليل رائع استاذ عماد وفقك الله