يكتبها
محمد السيد محسن
——
يبتسم مظفر النواب كلما جاء ذكر الجواهري , وكأنه يخفي شيئا عنه , رغم انهما منجيلين مختلفين في مدارس الشعر , حيث الجواهري سليل المدرسة الشعرية التقليدية , وتقلد مناصب حكومية في البلاط الملكي , ومناصب اخرى في مؤسسات صحفية اهمهانقابة الصحفيين العراقيين وجريدته المشهورة ” الفرات” , فيما مظفر النواب ينتمي الىمدرسة القصيدة الحرة التي لم تتقيد بعمودية الشعر , ويكتب اللغة اليومية التي لم يكتببها الجواهري , ولم يتقلد اي منصب في الدولة العراقية , كما لم يعمل بحياته في ايةصحيفة.
الا ان الحظوة التي يحملها احدهما للاخر لا تكاد تتواجد بين الشعراء , فعندما سألتمظفر عن الجواهري , اجابني بأنه من افضل الشعراء المناضلين , ولديه مواقف يتمنى كلشاعر ان يحظى بها , وكانت نظرة مظفر عن الجواهري تنبع من حالة التصدي الثوري لدىالاخير في قصائده التي كانت نبراسا مهما للثائرين العراقيين , وكان مظفر يتغنى دائمابقصيدة : أتعلم أم انت لا تعلم .. بأن جراح الضحايا فم .
تلك القصيدة التي كتبها الجواهري في تأبين شقيقه جعفر , الذي استشهد برصاصالقوات الحكومة في وثبة كانون الشيوعية في العراق.
كان النواب يتذكر ما أسماه حيوية الجواهري عام 1958 حين كان يحضر منتديات شعريةيستمع خلالها للجواهري وهو يلقي قصائده الحماسية , تلك التي اغضبت رموز الحكمالملكي في العراق خصوصا نوري السعيد والامير عبد الاله , واغضبت كذلك عبد الكريمقاسم , حيث اهان الاخير الجواهري بعد ان اعتقله , وزهد في مبلغ كفالته , الامر الذي دعاالجواهري لمغادرة العراق, وكان النواب يقول انه كان يقف مع الجواهري رغم انه كان يحبعبد الكريم قاسم , الا انه يسجل عليه خطأه التاريخي بعدم احترام الجواهري الذي كانلسان امة وكانت قصائده بمثابة منشور حزبي يتداوله الشباب ويستقوون به للوقوفبوجه السلطة.
وقرأت ايضا ان الجواهري من المعجبين بمظفر النواب , وكان يقول انه من فطاحل الذينكتبوا القصيدة الشعبية , وان نضاله مشرف وانه نبراس للثائرين من خلال قصائده التيكان يقول عنها الجواهري انها تمثل لافتات شعرية يحملها الثائرون من اجل تغيير الواقع, ووصفه بأنه من المجددين في الشعر.
ولا عجب فقد قال الجواهري عام 1994 في مقابلة مع صحيفة الحياة اللندنية ان احمدمطر من أهم الشعراء في حينه , وانه يقرأ لافتات احمد مطر , بيد ان مشاكسته للانظمةالعربية هي التي تجعل من قصيدة محدودة الانتشار.
في هذه النقطة نرى ان الجواهري بقي يحمل ملامح الثورة في نفسه , وإن كبرت بهالسنين , الا أن مظفر واحمد مطر وربما غيرهم من الشعراء الثوار , كانوا يذكرونه بمراحلشبابه حين كان صوته مدويا يلج بيوت الطغاة , ويغري الوليد بشتمهم والحاجبا .
وفي يوم من الايام سألت مظفر عن سر الابتسامة “المشاكسة” كل ما مر ذكر الجواهري , فأجاب مبتسما , ان بينه والجواهري مزاحا من نوع خاص جدا , رغم فارق السن بينهما , الا انه كان يتعامل معه بروح النكتة , وحكى لي انه زاره في مقهاه الشهير “سلوفانسكي” في براغ , وصادف انه أعجب بفتاة كان الجواهري معجبا بها , فتنافس النواب معالجواهري بأنه سيقنعها كي تذهب معه , وفعلا فاز النواب في الحصول على الفتاة , وحين سأله الجواهري عن ذريعته باقناعها قال النواب : ان لدي ما ليس لديك .. فأنا رسام , واخذتها بذريعة اني سأرسمها. الامر الذي دفع الجواهري لتوثيق الحادثة بأبيات منوحي شعره , فقال :
وقال مظفر النواب يوما لفاتنة من الغيد الحسان
من التشيك السواحر لست تدري بهن المحصنات من الزواني
هلمي ارسمنك غدا فقالت غداة غد وفي المقهى الفلاني
فقال بمرسمي حيث استقامت من الرسم المعاني والمباني
فقالت لا ومن اعطاك ذهنا وعلمك التفنن في البيان
اداة الرسم تحملها سلاحا على فخذي مشحون السنان
ولكن كلما تبغيه مني خفوت الضوء في ضنك المكان
—–
كان مظفر النواب اذا أنشد تلك الابيات , ينشدها ضاحكا وهو يستمتع ويتفاخر بأن محمدمهدي الجواهري ذكره بابيات شعرية , لأنه يعرف قدر الجواهري , لما بينهما من مودةواحترام متبادلين .
وفي موقف اخر قال لي مظفر ان الجواهري كان قد رثى عضوه الذكري بعد ان بلغ منالعمر عتيا , وبكى في يوم من الايام حين ذكر هذا البيت , ولم يفصح النواب عن هذا البيت, الا انني سألت مصطفى جمال الدين قبيل وفاته عن ما يدعيه مظفر النواب فرجح ان يكونالبيت الشعري من قصيدة “لقد اسرى بي الأجل” حين قال:
الا هل ترجع الاحلام ما كحلت به المقل.
—
وكان رأي مصطفى جمال الدين مرجحا وليس معلومة مؤكدة , وقد بنى هذا الرأي انه سألالجواهري يوما عن وضعه الصحي فيما يخص علاقاته الجنسية فأجابه : لم يعد لدي ماكانت تكتحل به مقل الفاتنات.