الاسيديا .. الشيطان الذي حل بيينا!

الاسيديا .. الشيطان الذي حل بيينا!

د. حسن السوداني

 

يقول دانتي في جزء المطهر من ملحمته الشعرية (الكوميديا الإلهية) وفي القصيدة السادسة عشرة “إذا كان العالم الحالي منحرفاً وضالاً فابحثوا عن السبب في أنفسكم”،

ذلك ان الانسان هو مصدر الشر في هذا العالم وان كل الوحوش التي ارعبتنا سابقا وحاليا ومستقبلا ما هي الا نتاج تخيلات الإنسان نفسه محولا اياها الى واقع فعلي عبر اسلحة او الات مدمرة تنأى اقسى الوحوش عن التمثل بها. غير ان تحول تلك الوحوش المرئية الى وحوش مخفية كان هو التطور الابرز في السنتين الاخيرتين من حياة البشرية جمعاء عندما داهمنا وحوش خفي وجعلنا رهناء للعزلة والشك من اقرب الناس الينا.. وكان الاية القرآنية الكريمة (يوم يفر المرء من اخية وامه واخيه وصاحبته و بنيه) مصداق حقيقي لما حدث بسبب الوباء ..مما جعلنا في دوامة وخوف والشعور باللاجدوى من كل شيء في حياتنا. وهو ما يطلق عليه علماء النفس بحالة الاسيديا.

فقد فسر اللاهوتيون الأسيديا بطرق مختلفة على أنها تصوير قديم لمجموعة متنوعة من الحالات النفسية أو السلوكيات أو الحالات الوجودية: الكسل أو اللامبالاة أو الملل في المقام الأول.

وقد ذهب الدينيون المسيحيون الى وسم الاسيديا بالشيطان.. اذ يحتل شيطان Acedia مكانة مهمة في علم الشياطين الرهباني وعلم النفس البدائي.

كل تلك الافكار استلمتها الفنانة السويدية اوسا سالبيري في معرضها المقام على قاعة غاليري ننار لتعرض ستة عشر لوحة حملت عنوانات مثل : تقاسم الفقاعة, الصحوة, أساطير جديدة للأوقات العصيبة, الأرنب الشرير مع الأفعى المروّضة التي ستبتلع الشمس.,سيدة البجع مع القمر على خيط., الجو قاتل ، لكنني لن أخاف من الشر, التنشئة الاجتماعية مع الأصدقاء. شيطان الظهيرة., الطائر ذو الهيكل العظمي والعالم في يده.

مستخدمة اسلوب فن الرسم الرقمي وهو فن حديث نسبيا ظهر وتطور مع ظهور الكمبيوتر وتحولاته المتلاحقة وخاصة تلك البرامجيات التي اتاحت الاف الخيارات امام الفنان وسمحت في الوفت نفسه من تعديل او اصلاح اي خلل ببساطة متناهية كما ان الفضيلة الكبرى لهذا النوع من الفنون هو قدرته على الحفاظ على الارث الفني من اية عوامل تدمير طبيعية.

استخدمت الفنانة أوسا سالبيري برامج متعددة لعمل لوحاتها ، فهي تستخدم برامج الرسم الرقمي وكراسة الرسم الإلكترونية بالإضافة إلى العديد من تطبيقات تحرير الصور. للبحث عن صور مجمعة ، كما تستخدم العديد من قواعد بيانات الصور ، بالإضافة إلى بعض الصور الفوتوغرافية المستقلة. وتعمل على iPad Pro باستخدام قلم رصاص.

تلك التقتيات الرقمية ساعدتها في خلق عوالم خاصة تعبر عن حالة الاسيديا التي عاشتها هي واغلب الناس في تلك الحقبة الزمنية موظفة العديد من الاساطير القديمة عبر سلسلة ثلاثية او رباعية او اكثر لرواية قصتها الفنية في معرضها المقامةعلى قاعة غاليري ننار في مدينة مالمو السويدية , كما وظفت الاشكال الحيوانية في اغلب لوحاتها (الارنب, الأفعى ، الطيور، الكلاب) وحتى الهياكل العظمية وما ترمز لها تلك الحيوانات من رموز معروفة مثل الخير والشر والوفاء والغدر.

الاستخدام الكثيف للرموز في لوحات ساليبري تدل على قراءة ثقافية عميقة لاهم الاحداث التاريحية التي مرت بها البشرية وراحت الفنانة تبحث عن الدال فيها لتوظفه في لوحاتها لا بالطريقة التقليدية بل عكس ذلك ففي لوحتها (الأرنب الشرير مع الأفعى المروّضة التي ستبتلع الشمس) تذهب الفنانة الى منح الارنب الذي يخشى الافعى مبدا السيادة وتجعله المتحكم والسيد الذي يقرر مصير العالم بامساكه الافعى من ذيلها ودفعها الى ابتلاع الشمس! وكانا تريد القول ان الشر لا يعرف الكائن االمسيطرة تقليديا على منصة القوة فقط بل يتعداه للاخر ان سنحت له الفرصة وان تجسيد مقولة دانتي بان مصدر الشر يمكن في النفوس هي ما ارادت الوصول اليه في اعلب لوحاتها.

اظهرت لوحات اوسا سالبيري اتجاها انسانيا جارفا نحو الكائنات الضعيفة وحاولت حمايتها بالباسها القناع الواقي وليس الكمامة التي سادت في عصر الكوفيد وهي ترمز بذلك الى الحرب واسلحتها الفتاكة التي لم تعد تقتصر على استخدتم الاسلحة المعروفة فقط بل تعداه للاسلحة الجرثومية التي تطلقها مختبرات الشر في هذا العالم ففي احدى لوحتها تلبس اوسا سالبيري كلب صغير بنظرات خائفة القناع الواقي من الغازات السامة مشيرة الى ان تلك الحيوانات البريئة تركت وحدها في مواجهة الوباء دون ان يلتفت اليها احد ، كما وظفت اوسا سالبيري الجدران القديمة كخلفيات للأحداث بما تحمل تلك الجدران من ذكريات الحروب وهي الشاهد الصادق على ما مر بهذا العالم من مآسي ، ورغم كل تلك الأسئلة التي تطرحها الفنانة دون إجابات محددة لها فان فهم المقصود كان واضحا جدا بما يتركه في النفس من حزن واسى على ما تتعرضه له البشرية من خداع. مستمر وأمراض فتاكة وحروب مدمرة تؤثر سلبا على الاقتصاد العالم.ي وتترك اثرا قاسية على البشر فمشاهد العزلة واسراب الموتى الذين دفنوا بالجرافات لا يمكن ان تسنى وهي تذكرك بقتلى الحروب الكونية والمدافن الجماعية لقتلى الحروب ‘ وكيف كان يصرخ الاوربيون من شرفات منازلهم تعبيرا عن الحزن والخوف وكيف ترك كبار السن يموتون في مساكنهم دون رعاية خوفا من الوباء.

اسئلة ستبقى مطروحة دون إجابات محددة عن مسبباتها ومن المستفيد من نتائجها.

(Visited 28 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *