وجهت سؤالا الى قراء صفحتي في الفيسبوك عما تحقق وعما لم يتحقق بعد ٩ نيسان منعام ٢٠٠٣، اي بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي في العراق. وذيّلت السؤال بعبارة“اجاباتكم الموضوعية مهمة بالنسبة لي“. وشارك عدد كبير من القراء في الاجابة عنالسؤال، وكانت اغلب ان لم اقل كل الاجابات موضوعية، سلطت الاضواء على حقلين منالاجابات: حقل يشمل فقرة ما تحقق، اي الايجابيات، وحقل يشمل فقرة ما لم يتحقق، ايالسلبيات. وهذه النظرة الموضوعية والتفكيكية للواقع ضرورية من اجل سلامة الحكم علىالواقع، وهي على خلاف النظرة المنحازة التي تتحدث فقط عن السلبيات وهي نظرة تورثاليأس وفقدان الامل بامكانية تحسن الواقع المعاش.
تركت للقراء الحرية الكاملة في ملء الحقلين بما يرون، واترك الحرية لنفسي في هذا المقالللجواب عن سؤالي.
عاش العراق منذ عام ١٩٦٨ حصارا معرفيا وثقافيا وبالتالي حضاريا فرضه نظام حزبالبعث تدريجيا، وكأن هذا النظام يطبق السياسة الفرعونية التي اشار اليها القران الكريمنقلا عن فرعون بقوله:”قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ“. فقد كانحزب البعث يعتقد انه وحده يملك الحقيقة، وان ماعداه لا يعلمون شيئا. وهكذا اضطهدفكريا الشيوعيين والاسلاميين والناصريين لانهم يختلفون معه جزئيا او كليا. وهكذا فرضرقابة مشددة على حركة الفكر والثقافة والاعلام ومنع النشر الا ضمن قواعده، وحرّم دخولالمطبوعات التي تخالف افكاره. ومع تنامي النزعة الاستحواذية والاقصائية عند البعث،اصبحت اقوال صدام هي المعيار الذي تقاس به الافكار الاخرى، هذا إنْ سُمح للافكارالاخرى بالوجود، لان الساحات الثقافية والاعلامية اصبحت حكرا على اقواله حتى انهنقشها على جدران القصر الجمهوري.
وكان من نتيجة ذلك ان انقطع العراق عن الثقافات والحضارات العالمية، وتوقفت الحركةالحضارية للمجتمع العراقي عند السقف المتخلف والمتدني الذي شكلته “اقوال” صدام. وحُرم العراقيون من التواصل مع العالم من خلال الانترنيت والاعلام ومنتجات الحضارةالعالمية المعاصرة الاخرى.
وكان للانقطاع الثقافي عن العالم الاثر الكبير في تعميق وترسيخ حالة التخلف الحضاريللمجتمع العراقي بعد كان في العصور القديمة والعصور الوسطى منارة للفكر والثقافةوالرقي.
لكن سقوط النظام البعثي في عام ٢٠٠٣ كان اشبه بسقوط جدار برلين في ٩ تشرين الثانيمن عام ١٩٨٩، فقد انفتح المجتمع العراقي على العالم، وعلى الحضارة العالمية، واتيح لهالمجال لأن ينهل من جداولها الجارية ما شاء له ذلك بلا رقيب وحسيب. فكان الانفتاحالحضاري من اهم ما تحقق بعد سقوط النظام الدكتاتوري. واليوم اصبح بوسع المواطنالعراقي ان يطلع على مجريات العالم في مختلف المجالات كما هو حال المواطن الاميركيوالبريطاني والدانماركي وغيرهم من سكان الدول المنفتحة حضاريا. وهذا يفسر الكثير منالظواهر الجديدة في المجتمع العراقي.
لكن هذا الانفتاح الحضاري لابد ان يحمل معه ايجابيات وسلبيات في نفس الوقت، لانعنصر المفاجأة قد يخل بتوازن المجتمع وهذا موضوع اخر بحاجة الى بحث مستقل.