47
يكتبها : محمد السيد محسن
—–
حين يروي الشاعر لحظات حياته الثائرة بالسياسة والمواقف التي تفرضها المرحلة , فيتحدث عن معاناة المناضلين , يتوهم البعض بأن الثائرين ليس لهم لحظات عشق وحب , وانهم لا يحملون في قلوبهم عشقهم لجسد امرأة يتبضعون من جمالها في ليلة حلميستريحون فيه.
ربما يعتقد البعض بأن الثائرين يحبذون رائحة البارود على عطور النساء , لكن الطبيعةالبشرية , ومحاولة ان يكمل الانسان بعضه من خلال علاقات عابرة ولو بنظرة عابرة , أوبجلسة عابرة في خمارة ليلية تتواجد فيها النساء اللائي يجملن اللحظات وإن كن بغايا , فالقيمة الاخلاقية تسقط في لحظات الاسترخاء بالنسبة للثائرين.
تلك الحالة يجسدها مظفر النواب عندما يبني قصيدته الثائرة بمضامينها السياسيةوالمشاكسة , فتجد انه يستهل القصيدة بالعشق والوصف المسهب لجمال الانثى.
في قصيدة باللهجة الدارجة بعنوان ” حزن زليل وجمار” يروي مظفر تفاصيل ايام كان بهافي هور الغموكة , جنوب العراق , حيث يرى انثى يفتتح بوصف جسدها قصيدته الثائرة , وللوهلة الاولى يسود اعتقاد ان القصيدة مسخرة بجلها للوصف العذري , والغزلالشعري فيقول :
حجلين الجمار مشذر
وكصايب طول السالوفة
مر بيه يفتر برموشه
وسافين مكصر نفنوفه
ويتلاوه ملاوه من المحزم
جتفه وجفيته وترجيته
وحنتنه تهلهل بجفوفه
يعيوني تفركن عل وادم
داير ما داير ونشوفه
ولو دنج دربونة مشمش
تفضح ظبيين من خشوفه
مريكهن زبدة وحنية
وزهدية البارح مكطوفه
من شفافه وليجوه المحزم
وشوي ويموع بحنيته
ويستر ربك حسنه ويلتم
متغاوي بحاله وما شايف
غير رداسه
ضحجات جناغه وي السنبل
—-
وسرعان ما يتحول الغزل لتلك الفتاة الجنوبية التي حط في وصفها ملامح العشق وابدعفي وصف جسدها , سرعان ما يتحول الى وصف غزلي الى سلاحه باعتباره ثائرا لايتوانى على حمل الكلاشنكوف .. فتنحني القصيدة عند مظفر نحو الثورة والسعيللتغيير من خلال العنف الثوري الذي يؤمن به مظفر , وهي نظرية تشي جيفارا التي تركهاللثوريين من بعده.
شكيت الغراف العالي
غوج محجل
تتشامرني مروج الفلفل
جفيتي مهوسه بباب الله
وبرنو نص الليل تهلهل
وكلاشنكوف ازرك طنطل
عابس مثل الليل معصل
بزمور تفكنه نوازيها
ونعدلها
وفنها الما تعدل
—–
بالعشق يفتتح مظفر قصيدته , ربما لأنه يحاول ان يبدأ “دوزنة” عود الشعر لديه فالانثىبالنسبة للشاعر تمثل جزء الوقت الضائع بين الثورة والمنفى .
وفي قصيدة “سلفيني” يمزج مظفر بين التعرف على انثى عابرة , وقضاء ليلة صخبمعها وبين قضاء الليلة في احدى مديريات الامن , فالاثنان فيهما عري ووقاحة.
وتزعجني باب خمارة أغلقت
ونوافذ دائرة الأمن
لم ينم أحد
لم ينم غيرنا البارحة
لا أزال اراقب هذي الشبابيك
ليس لشيء اريد ابول
—–
مسكوني ثانية بملابسي الداخلية فوق الحكومة
لم يرحموا رغبتي الجارحة
ملك من له الان زاوية يتجمع فيها
ويرضع ربعية
يترك الباب منفتحا ليس من أحد
أتشهى ثيابك فوق السري النسائي
—–
ان هذا المزج بين ان يتشهى امرؤ انثى في ليل مديريات الامن , وبين ان لا يستطيع قضاءحاجته , انما يعبر عن التعسف الذي يعانيه الثائر في بلداننا , ويأخذ السجين حقه فيالتخيل , لا لشيء الا لأنه يعاني من الحرمان الذي يكمل فيه الانسان رغباته التي لولاها لمااصبح ثائرا , فعشق الأوطان احيانا لا يختلف عن عشق النساء , كلاهما يجد الثائر فيهرغبته في الاكتمال.
وفي قصيدة “ايها القبطان” يفتتح مظفر القصيدة بعلاقته بالخمر والنساء , ليكتمل قمرالرغبة والمباهج التي يحتاجها الرجل , ولا يتنازل عن معتقده والقضية التي يؤمن بها.
اسقنيها
وافضحي في الظلاما
بلغت نشوتها الخمرة في خديك
نثر الورد في كأس الندامى
وروت مبسم ورد
نزع التاج وألقاه بأرواح السكارى
بمعان نزعت الفاظها
وقف العشق على كفيه مجنونا من النشوة
والعود ارتخت اوتاره
واللحن قاما
—–
وبعد هذه العلاقة بين الثائر في خمارة وامرأة ليل عابرة يتحول الشاعر الى قضيتهفيتذكر ان الوضع السياسي لا يقل عهرا عن تلك البغي التي تدمن وجودها في خمارةيرتادها الذين لا يستطيعون الى التغيير طريقا
انا سكران بمن تخلقهم من نطفة اللوز ونطق الكسل الصيفي
يارب لا تغضب فأني “استضعفوا” يأخذ الترتيل بالاية لبي
فاذا ما بسملت شاحنة بالحزن والبارود
شاحنات للذين استضعفوا اهدافها شتى
فيا حضرة كتاب التقارير تشيطنت
ولم اذكر نظاما
رافعا فردة سباطي كالهاتف كي اشتمهم
يا خوات ال …
قطع الخط ولم اكمل مراسيم احترامي
ربما بالفردة الاخرى ارادوا الاحتراما
—-
اما في قصيدة “بالخمر وبالحزن فؤادي” ربما يصلح ان نصف مظفر بما يوصف بهالصوفييون بالشطحات , حيث يبدأ القصيدة بالنهد والجمال والليل الصاخب , ثم سرعانما يتحول هذا الصخب الى ان يجد الشاعر نفسه امام رجل امن تم توظيفه لمراقبته , فيجتمع في القصيدة الغزل البريء وظلم اصحبا السلطة وتكميم افواه ابناء الشعب , فيقول لامرأة تجالسه الحانة متغزلا :
عسل الورد الخامل ريقك
والنهدان اراجيف دفوف لألاء
اهتز كما يهتزان
احد من الشفرة طبعي
ورقيق ماء
مسكون بالغربة يجري الفيروز بأوردتي حزنا
هل تسمح سيدتي أنساب الى جانبها
ليس علي سوى برد العمر رداء
—-
ثم تتحول القصيدة الى وصف الطاولة الاخرى , حيث يتحول الشاعر الذي يبث شكواهالى انثى الليل , يتحول الى رجل الامن الذي يفرض نفسه على المشهد :
يا من تسعل من كل مكان الا حلقك
البرد شنيع وأنت تراقبني
العرب الأعراب بخير
وسجون ممتعة
واسرائيل ترش علينا ماء الورد من الجو
وانت تراقبني
——-
هكذا يرسم مظفر النواب بقصيدة واحدة غزلا جميلا يصف شكوى عليل في خمارة عابرة , و مشهدا القسوة الذي يعيشه المواطن في الوطن العربي الذي ازكمته الشعارات والامنياتعلى حد سواء