محمد عبد الجبار الشبوط
لفتت نظري عبارة عميقة المغزى وردت في مقال حديث للصديق العزيز والاعلامي الكبيرعمار البغدادي قال فيها:
“ان ابناء المذهب الديني الواحد ليسوا على مذهب سياسي مشترك وان المصالحالسياسية والمغانمة على الوزارات والمؤسسات والاجهزة الامنية العليا هي القاعدة“.
وفهمت من هذه العبارة ان وحدة الدين او المذهب لا تنتج بالضرورة وحدة الموقفالسياسي. وهذا ما يمكن البرهنة عليه تاريخيا وقرآنيا. فلطالما تحارب ابناء الدين الواحداو المذهب الواحد على الصعيد الاسلامي وعلى الصعيد المسيحي، بمختلف تفرعاتهماالمذهبية والطائفية.
واذا قصرنا الاستقراء التاريخي على المسلمين فقط لوجدنا ان اول حرب بين المسلميننشبت بعد وقت قصير من وفاة النبي محمد، واعني بها معركة الجمل، ثم ما تلاها منمعارك بين المسلمين الى اليوم، رغم ان القران الكريم حذر من الاقتتال الداخلي بقوله:”وَإِنطَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواالَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَيُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ“. بل ان القرآن الكريم حذر من الاختلاف السياسي بين المسلمين بشأنالقضايا الجارية كما في قوله تعالى:”فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚأَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا“.
يتحدث القران عن نوعين من الاختلافات الحاصلة بين البشر. اولها الاختلافات قبل ارسالالانبياء، وثانيهما بعد ارسال الانبياء. تنشأ الاختلافات من النوع الاول بسبب تباين قدراتوامكانات البشر العقلية والبدنية والاقتصادية والاجتماعية في تكوين الثروة وامتلاكالسلطة، فيما تنشب الاختلافات من النوع الثاني بسبب اختلاف الناس في فهم الديننفسه، وفي تفسيره، و بسبب تباين المصالح السياسية والاقتصادية بينهم، وهو ما يعبرعنه القران بعبارة “بَغْيًا بَيْنَهُمْ“. وهذا ما نجده في قوله تعالى: “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةًفَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَااخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ” وقولهتعالى:”كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَبِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَاجَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ“.
و فسر الطبري عبارة “بغيا بينهم“بقوله: “تعدِّيًا من بعضهم على بعض، وطلبَ الرياساتوالملك والسلطان“، و “بغيًا على الدنيا، وطلبَ ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضًا علىالدنيا“، وذكر “ان موسى لما حضره الموتُ دعا سبعين حَبرا من أحبار بني إسرائيل،فاستودعهم التوراة، وجعلهم أمناء عليه، كلّ حبر جُزءًا منه، واستخلف موسى يوشع بننون. فلما مضى القرن الأول ومضى الثاني ومضى الثالث، وقعت الفرقة بينهم – وهمالذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السبعين – حتى أهَرقوا بينهم الدماء، ووقع الشرّوالاختلاف. وكان ذلك كله من قبل الذين أتوا العلم، بغيًا بينهم على الدنيا، طلبًا لسلطانهاوملكها وخزائنها وزخرفها، فسلَّط الله عليهم جبابرتهم“.
حالنا في العراق يبرهن على صدق هذا الشيء، فقد انقسم الشيعة والسنة، ومعهم الكرد،على انفسهم بسبب تباين المصالح السياسية والاقتصادية والشخصية لكل فريق، برغموحدة المذهب والقومية التي لم تتمكن من انتاج وحدة الموقف السياسي.
وهذا ما يدفع الى القول بضرورة البحث عن قاعدة اخرى لادارة الصراع السياسي غيرقاعدة المذهب او القومية. واذا قبلنا باطروحة الدولة الحضارية الحديثة فلابد ان تكونالقاعدة المقترحة حضارية ايضا. ولهذا حديث اخر.