العراق وعقبات التعطيل / د. احمد الميالي

العراق وعقبات التعطيل / د. احمد الميالي

د.احمد عدنان الميالي

عقد البرلمان العراقي يوم الاربعاء الماضي في ٣٠ اذار  جلسة اخرى لانتخاب رئيسللجمهورية، وأرجئت الجلسة بسبب تعطيل النصاب.  في تجاوز واضح للمهلة المحددةدستورياً لانتخاب الرئيس، وحتى الساعة، ما من شيء يشير إلى أن مصير الجلساتالقادمة سوف يكون مختلفاً عن سابقاتها. وإذا بقي تعطيل النصاب هو اللازمة، فإنالشلل السياسي والانسداد على مستوى العملية السياسية آتٍ لا محال، وقد يفتح البابأمام تعطيل المؤسسات وآليات الحكم كافة.

ولا بد هنا من التوقف عند الملاحظات التالية:

أولاً: إن فريق الاطار التنسيقي الذي يلجأ إلى سلاح تعطيل الجلسات يحاول قطع الطريقأمام وصول أي مرشح لا يحظى بموافقته، وذلك تحت عنوانالشراكة والتوافق“. هكذاسيتحول الثلت النيابي إلى أقلية فاعلة تقوم مقام الأكثرية الفعلية، بمعنى أن الإمساكبثلث المجلس المعطل للنصاب يمنحها حق الفيتو على أي موضوع أو بند سجالييستوجب نصاب الثلثين على مستوى الانعقاد او التشريع، او اي قرار سياسي وحكوميجوهري إلى حين التوافق عليه، وفي الواقع أن استمرار تكريس مبدأ الثلث المعطل علىالمستوى النيابي، سيمنحه قدرة تعطيلية على اغلب القرارت الهامة، التي لا تحظىبموافقته.

ثانياً: العنوان الآخر لتعطيل الجلسات والذي يرفعه الاطار التنسيقي والقوى الاخرى هوأنه يرفض مرشح التحالف الثلاثي المعلنريبير بارزانيبحجة أن هذا الأخير مرشحاستفزازي. ومن المفارقة بمكان أن الفريق المعطل للجلسات يرفض إلى الآن المرشحينالمعلنين، وهو ليس لديه مرشح معلن لرئاسة الجمهورية. طبعاً يفسر هذا الموقف التقارببين الاطار وحزب الاتحاد الوطني، لكن اصرار الاطار على التعطيل ليس دعما للتحالف معحزب الاتحاد الوطني، انما خشية من مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اذا مامرر سيكلف دون ادنى شك مرشح الكتلة الصدرية لرئاسة الوزراء الذي يحتاج الى نصف+ واحد لنيل ثقة كابينته الوزارية، مايعني استبعاد الاطار من هذه الكابينة، وحتى ان لميستبعدوا، فان مجرد انتصار ارادة التحالف الثلاثي في تسمية الرئاسات الثلاث يشكلانتكاسة وضربة قوية للاطار التنسيقي ولقادته وجماهيره.

ولهذا يصر الاطار على أن يكون الرئيس توافقياً.  وتدور هنا تسؤلات : ماهو السيناريوالذي يجب التحضير له لتلافي الشلل والانسداد،  إذا لم يتم التوافق على مرشح توافقيلرئاسة الجمهورية؟ هل يستمر التعطيل ويصبح سيد الموقف؟ وفي هذه الحال ما هيتداعياته؟

الانسداد على المستوى الرئاسي سوف يضيف على أزمات البلد أزمة أخرى دستورية هذهالمرة، قد تقود إلى شلل المؤسسات كافة.

والبرلمان في هذه الحال سيتحول إلى هيئة عاجزة، بمعنى آخر لا يستطيع التشريع أواداء أي عمل آخر مثل مراقبة الحكومة أو مناقشة السياسات، بسبب اعتراض الثلث المعطلعلى دستورية هذه الاجراءات بدعوى عدم شرعية الحكومة الحالية وانتهاء ولايتها وولايةرئيس الجمهورية، لانهم يصرون على أن هذا الأمر مناف للتوافق والشراكة في ادارة البلدناهيك عن تداعيات هذه الوضع امنيا. وهذا الحال قد يفتح الباب أمام أزمة سياسية تترجمبمقاطعة النواب المستقلين وانضمام كتل اخرى للثلث المعطل لجلسات مجلس النواب، معما يستتبع ذلك من مزايدات وارتفاع في وتيرة الخطاب الطائفي وتوتير الاوضاع.

قد يُدخل شبح تعطيل الاستحقاق الرئاسي، البلد في دوامة تزيد من عمق أزمته في وقتيحاول لملمة أنفاسه، فلم يخرج بعد من ازمة الاحتجاجات والانتخابات المبكرة فضلا عنازمات وباء كورونا، وازمة الخدمات والمطالب الشعبية، واستمرار التحديات من هشاشةالوضع الأمني المتمثلة بانتهاك سيادة البلد بشكل مستمر التي فاقت كل تصور، إلىتدهور الوضع الاقتصادي بسبب ارتفاع الاسعار للمواد الغذائية والسلع كافة نتيجة رفعسعر الصرف وتداعيات الحرب الروسية الاوكرانيةوآخر ما يحتاجه العراق، هو الدخولفي الانسداد وشلل مؤسساته.

الحل إذا كانت هنالك رغبة في الخروج من الليل الطويل، يكمن باستفاقة قادة البلدوالعودة إلى منطق التوافق الحقيقي، ليس القائم على اساس توزيع المناصب والنفوذوتقاسم السلطة، بل التوافق الذي يقوم على احترام المؤسسات وبناء دولة يحكمهاالدستور والقانون من أجل حسم الخلافات، وعدم العودة الى نقطة اللاعودة الخطرة.

تشكيل حكومة اغلبية مقابل معارضة برلمانية يمثل احد الخيارات السياسية للعراقللخروج التدريجي من ازماته المتلاحقة، ويعد فرصة لتجريب نمط سياسي جديد قد يعولعليه في تحقيق شيء يذكر افضل من السابق،  اما العودة الى التوافقية والشراكة علىاساس المحاصصة الطائفية والحزبية وهي الآن متأصلة في الروح الجماعية والسلوكالسياسي للاسف، فيعني لاشي جديد، الا تكرار التجارب المريرة والفاشلة التي ادخلتالبلد في ازمة مشروعية شعبية ناقمة قد تتفاقم وتستغل خارجيا وداخليا لاحراق ماتبقىمن رمق في النظام السياسي الحالي، فالتوافقية يجب أن تتضمن شروطاً معينة كي تعملبطريقة مستدامة، وتتمثل بوجود بيئة إقليمية مستقرة ومسالمة، فضلاً عن نمو اقتصاديوآليات إعادة توزيع تتمتع بالكفاءة، تضمن التوازن الاجتماعي والاقتصادي بين مختلففئات البلد، وهذا غير حاصل حاليا في العراق، وبالتالي سيكون البلد محكوم بصورةدائمة بسياق التخبط من أزمة إلى أخرى، طالما أنه مبتلى بنظام يُسبب الاستياء فيالداخل، ويستدعي التدخل الدائم من الخارج.

جرت العادة في العراق ولغاية الان أن تأتي أيادي من الخارج لتتدخل في اللحظة الأخيرةوتضع الحلول التي تتوافق مع مصالح هذه الايادي.. لكن هذه المرة، قد لا تأتي تلك الأياديأو تأتي متأخرة، فهي مشغولة بأزمات أخرى.. وهي كثيرة، ايران منشغلة بالاتفاق النوويمع الغرب، وسوريا واليمن الحرب مستمرة فيها، ولبنان يحتضر، وعوائق تسويق التطبيعالخليجي الاسرائيلي، والحرب الروسية الاوكرانية، والولايات المتحدة بدأت تفكربمصالحها خارج منطقة الشرق الاوسط وتدير الازمات من بعيد وعبر الوكلاء،  لكل ذلكتداعياته وسياقاته الاقليمية والعالمية، وقد لا يكون العراق على رأس أولويات هذه الاياديالخارجية للمحافظة على تماسك النظام السياسي العراقي.

امام قادة العراق خيارات محدودة لتجاوز تبعات التعطيل والشلل والتراجع السياسي:

فاما الذهاب الى صيغة سياسي جديدة في ادارة الدولة بعيدة عن منطق التوافقوالمحاصصة وتقاسم السلطة، او التفاوض على نظام جديد للحكم، او ينشدوا قادته العزاءعلى البلد ، والذهاب الى الفوضى والبقاء كدولة فاشلة بكل المعايير.

(Visited 2 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *