جرس ناقوس الطلاق يهدد كيان الاسرة العراقية

جرس ناقوس الطلاق يهدد كيان الاسرة العراقية

دقت الفعاليات القضائية والاجتماعية والدينية في العراق، ناقوس الخطر إزاء تدهور أوضاع الأسرة، نتيجة تزايد مقلق لحالات الطلاق تجاوز 70 ألف سنويا، وسط تحذيرات من تداعيات خطيرة لهذه الظاهرة على المجتمع.
فقد أكد قاضي محكمة الأحوال الشخصية علي كمال، ان «المحاكم تسجل تزايدا في حالات الطلاق، لاسيما خلال السنتين الماضيتين» مشيرا إلى أن «العامل الرئيسي هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والاستخدام السلبي لها».
وذكر ان «عوامل أخرى تقف وراء أسباب تنامي هذه الظاهرة في العراق بينها زواج القاصرات الذي عاد إلى الواجهة من جديد وبشكل أكبر مما شهدته السنوات السابقة، وتدخل الأهل في شؤون الأزواج والظرف الاقتصادي وقلة فرص العمل وزيادة البطالة، وكذلك انخفاض مستوى الوعي الفكري والثقافي بين الزوجين، واختلاف المستوى العلمي والتحصيل الدراسي كلها من الأسباب الرئيسية في حالات الطلاق».
وكان مجلس القضاء الأعلى في العراق، أعلن في بداية نيسان/ابريل الماضي، عن ارتفاع نسبة حالات الطلاق في عموم العراق خلال عام 2017 مقارنة بالأعوام الماضية، اضافة إلى ان نسبة الزيادة في معدلات الطلاق أعلى من ارتفاعها في حالات الزواج.
وأشار بيان مجلس القضاء، إلى ان «محاكم العراق سجلت خلال العام الماضي (70097) حالة طلاق» مبينا ان بغداد حلت في المرتبة الأولى مقارنة ببقية المحافظات».
وجددت المرجعية الشيعية، تحذيرها من ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع، مشيرة إلى انه يعود إلى الخلل في بناء المجتمع الأسري.
وحدد ممثل المرجعية احمد الصافي في خطبة الجمعة في كربلاء، بعض أسباب ارتفاع نسبة الطلاق ومنها «العلاقة الزوجية المشروطة على الأموال والتي يكون مصيرها الفشل».
وأضاف أن «من بين المشاكل التي تزيد من حالات الطلاق هو عدم تفرغ الزوج لأسرته وعدم اهتمامه وكذلك الزوجة، فالاثنان لا يشعران بالانتماء الأسري وبالتالي ستؤثر سلباً على أطفالهم ويصبح مصيرهم الضياع» داعيا إلى محاولة الاصلاح لحل المشاكل بين الزوجين، من قبل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية».
ويذكر ان الجهاز المركزي للإحصاء «مؤسسة حكومية» أعلن في تقرير صدر في شباط/فبراير الماضي حول معدلات الزواج والطلاق خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2017، ارتفاع معدلات الطلاق بنسبة 6،5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من 2016. كما أشارت مصادر أخرى إلى تصاعد حالات الطلاق من 28 ألفًا عام 2004 إلى أكثر من 160 ألف حالة طلاق في العام 2013.
وأكد الناشط في مجال حقوق الإنسان محمد السلامي لـ«القدس العربي» ان سيادة الأعراف العشائرية والطائفية بعد 2003 وانتشار تنظيم عقود الزواج خارج المحكمة من قبل رجال الدين، وضع السلطات القضائية أمام الأمر الواقع للاعتراف بتلك العقود، عادا ذلك من اسباب ازدياد الطلاق، منوها إلى ان الأسباب التي شخصّها المعنيون، لا تحظى بالاهتمام المطلوب لإيجاد الحلول المناسبة لها.
وبالنسبة لقانون الاحوال الشخصية الجعفري، أشار إلى انه قوبل بحملة تظاهرات وتجمعات رافضة له داخل العراق وخارجه لوجود اشكالات أهمها السماح بزواج القاصرات وعدم مراعاة مصالح باقي الطوائف والأديان. وقد جرى تعديل القانون لاحقا بصيغة أخرى ولكن بالجوهر نفسه، وتمت قراءته أوليا في البرلمان، ولكنه يحتاج إلى قراءة ثانية لإقراره، وهو في كل الأحوال لا يمكن تمريره في دورة البرلمان الحالية وسيتم تأجيله للدورة المقبلة بعد انتخابات أيار/مايو المقبل، ولكنه أقر ان زواج القاصرات يجري على أرض الواقع بشكل واسع خارج المحاكم.
وأكد السلامي ان عدة مشاكل تنجم عن الزواج خارج المحكمة منها عدم الاعتراف الرسمي بالأولاد الذين ليست لديهم وثائق رسمية، كما ان حقوق الزوجة كالنفقة وحضانة الأطفال والميراث يصعب الحصول عليها لعدم تثبيت عقد الزواج في المحكمة، مبينا ان عدم الاستقرار الأمني والنزوح والهجرة في بعض المناطق فاقم المشكلة وجعل الكثير من الزيجات والولادات لا توثق رسميا كما حصل في الموصل بعد ظهور تنظيم «داعش» عام 2014. إضافة إلى تأثير الأعراف العشائرية، مثل طرد الزوجات عند وقوع خلافات بين العشائر دون التمتع بأي حقوق لهن ولأطفالهن، مما أدى إلى وقوع الكثير من حالات الانتحار.
وفي إقليم كردستان، أعلنت رئيسة منظمة السلام العائلي، إكرام غالب، إن المنظمة «أجرت استبيانا في جميع مناطق إقليم كردستان حول الحياة العائلية والزوجية، فاتضح أن ظاهرة الطلاق ازدادت بنسبة 18في المئة» موضحة أن «الظروف الاقتصادية الحالية أدت إلى انهيار عدد كبير من العوائل منها كانت لا تمتلك إيجار المنزل فاتفقوا على الانفصال وكل واحد منهم ذهب إلى بيت أهله».

زواج القاصرات
ويتفق معظم المعنيين ببحث تزايد حالات الطلاق، ان الزواج في سن مبكرة، يعد أهم أسباب فشل الزيجات وتزايد حالات الانفصال والطلاق في العراق.
ولعل هذا الأمر يعد العامل الأساسي وراء التظاهرات الرافضة داخل وخارج العراق والحملة المضادة لتمرير القانون الجعفري، لتعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ، والذي سعت بعض القوى الشيعية لتمريره في البرلمان العراقي، ورفضته معظم القوى السياسية والاجتماعية والقانونية وحتى الدينية، ورغم الاعتراضات المتكررة فان تلك القوى تسعى لإقراره مستقبلا.
وتزايدت حالات زواج القاصرات في العراق بشكل ملحوظ بعد الهزة العنيفة التي عصفت بالمجتمع العراقي في ظل الفوضى التي خلقها الاحتلال الأمريكي، وسيطرة الأحزاب الإسلامية وضعف الدولة وانشغالها في مواجهة الإرهاب والجماعات المسلحة والفساد وغيرها من التحديات.
ويقول الدكتور قاسم حسين صالح، «ان وزير العدل والقيادي في حزب الفضيلة الشيعي حسن الشمري، طرح عام 2013 مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري، مع أن المسؤولية تفرض عليه أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى باعتباره الجهة التي تدير شؤون القضاء، وبسببها تعرض إلى نقد لاذع واتهام بأنه يجر البلاد إلى حرب طائفية، إلا ان القوى الشيعية التي لديها أغلبية في البرلمان، نجحت عام 2017 بإعادة عرض القانون على البرلمان وحصل على موافقة أولية. وينص هذا القانون على السماح بالزواج للصبي الذي أكمل الخامسة عشرة والبنت التي أكملت التاسعة من العمر، بينما حدد قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 الزواج بمن أكمل الثامنة عشرة، وهو ما ينسجم مع الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة والطفل».
ويحذر المراقبون من ان تصاعد معدلات الطلاق يهدد تماسك العائلة العراقية والمجتمع، ويعكس تقصيرا واضحا من الحكومة والبرلمان والمجتمع، في مواجهة هذه الظاهرة وتداعياتها الخطيرة

(Visited 15 times, 1 visits today)

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *