**شمال شرق
عارف العضيلة*
رغم تأخر إحداث المدارس النظامية في منطقة الخليج العربي إلا إن الحكومات نجحتخلال فترة زمنية ليست بالطويلة من محاربة الأمية بشكل كبير. ونجحت في القضاء عليها.. ففي منتصف القرن العشرين كانت الأمية هي (الجهل بالقراءة والكتابة).
فمن خلال برامج وحملات محو الأمية التي انتشرت في كل مكان وأنفقت الحكومات عليهابسخاء شديد ..وجندت لها عشرات الآلاف من الموظفين والمتطوعين . إنتهت الأمية فيمنطقة الخليج العربي.
ففي بلد كالمملكة العربية السعودية كانت الأمية تتجاوز ال 95% في منتصف القرنالعشرين .. تقهقرت هذه النسبة لتختفي تماماً في مطلع الألفية الجديدة .. وتكون نسبةالأمية صفر % للرجال .. وأقل من 1% للسيدات. وتكمن الأمية هنا في السيدات اللاتيأعمارهن أكبر من 60سنة.
لكن مع بدايات السنوات الأولى في القرن الحادي والعشرين ظهر تعريف جديد للأمية فلمتعد الأمية هي (الجهل بالقراءة والكتابة). لكنها صارت (الجهل بإستخدام التقنية وأجهزةالذكاء الصناعي). وهنا ظهر تحدي جديد.
فمع ظهور هذا التعريف أخذ الخبراء والمختصون بمنطقة الخليج بالتباحث والتشاور عنالآلية والخطة التي يجب أن تطلقها حكومات الخليج للقضاء على ما أصطلح يومهاتسميتها “بالأمية الجديدة ” بل وعقدت المؤتمرات وورش العمل .. وهناك من أقترح الخططوآليات التنفيذ ووضع الميزانيات المليارية والجداول الزمنية للتنفيذ.
مما جعل عدداً من صناع القرار يشعرون أنهم أمام مهمة كبرى وشاقة ومكلفة مالياً .. وتفوق بالجهد والمال ما بذل على التخلص من الأمية القديمة ..
لكن شيء من ذلك لم يحدث. والخطط والإقتراحات لم تنفذ .. وليست مفاجأة .. فمع ميلادالطفرة الإقتصادية الكبرى (2005م -2014م) بسبب إرتفاع أسعار النفط. وبالتاليالتحسن في الدخول المالية لكل مواطني الخليج .. تسابق السكان لإقتناء أحدث أجهزةالذكاء الصناعي بمختلف أشكالها ومسمياتها وبأرقى الموديلات .. ومع التجربةالشخصية أهل كل شخص نفسه وتخلص بمجهوده الخاص من الأمية الجديدة وبالتاليتخلص الغالبية العظمى من هذه الأمية الجديدة بدون أي جهد أو إنفاق حكومي .. فباتالكبير والصغير يحرصون على الإستفادة من التقنيات الحديثة والعمل بها. وإستخدامهالكل زمان ومكان.
إنتشار إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي والبرامج الإلكترونية المتعددة مؤشر علىنهاية ” الأمية الجديدة ” التي لم يكن للحكومات دور بها إلا بسن الأنظمة والتشريعاتللحد من الإستخدام المسيء لهذه التطبيقات .. وإذاء الآخرين.
وجود إحصاء رسمي بنسب الأمية القديمة يقابله جهل في نسبة الأمية الحديثة .. رغموجود بعض التقديرات الغير رسمية التي ترى إن نسبة الأمية الحديثة في منطقة الخليج12% وتكمن فيمن تجاوزت أعمارهم الـ 60 عاماً.
هذه الحقيقة التاريخية والتي قد لا يعرفها الكثيرون تؤكد إن الشعوب في الخليج أكملتمسيرة العلم والثقافة بدون أي جهد أو إنفاق حكومي .. ووفرت على خزائن وزارة الماليةالمليارات. ووفرت جهد وعناء وزارة التعليم.
وظلت ملفات وخطط محاربة الأمية الجديدة التي ناقشها وزراء المعارف والتعليم والتربيةالخليجيون ذات يوم حبيسة الأدراج .. وستستمر .. ولن يحتاجها إلا الباحثون والمختصونبشؤون التاريخ والتوثيق.
فالتحدي الحكومي لمواجهة الأمية الحديثة إنتهى إلى لا شيء .. فلم تنفذ الخطط والبرامجالمرسومة ..
مكافحة الأمية القديمة كانت هماً وهاجساً .. وبرنامجاً محورياً ضمن برامج وخطط التنميةالقومية.
أما مكافحة الأمية الحديثة .. فلم تدرج مطلقاً ضمن خطط التنمية وبرامجها .. تخلص منهاالشعب بدون جهد وبدون إتفاق حكومي ..
وبالتأكيد فإن الجهد الحكومي للتخلص من الأمية القديمة وتحول الشعب في غالبيتهالمطلقة إلى شعب متعلم كان له دور مهم ورئيسي في أن يتخلص الشعب من تلقاء نفسهمن الأمية الحديثة ..
كاتب سعودي – الرئيس التنفيذي لدار مصادر للدراسات والأبحاث الإعلام