د.احمد عدنان الميالي
تهاوت الجهود التي استمرت لأشهر لتشكيل حكومة جديدة في العراق بعد أن طلب السيد مقتدى الصدر من جميع نواب كتلته السياسية ذات ال٧٣ مقعد الانسحاب من البرلمان يوم الأحد المنصرم، بعد ان وافق رئيس مجلس النواب على طلباتهم، وتراجع مرشح الصدر لمنصب رئيس الوزراء جعفر الصدر عن التنافس على المنصب ايضا ، لعدم قدرة التحالف الثلاثي على تحقيق اغلبية الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية ولقناعة الصدر بعدم قدرته على الدفع بإصلاحات سياسية من شأنها أن تحقق تغييرا في المشهد السياسي يحسب له وفق سياقات حكومة توافقية مع الاطار التنسيقي.
أدى هذا الانسحاب إلى اضطراب كبير في تشكيل السلطة التشريعية المكونة من 329 مقعدًا ، ومن المؤكد ان هذه الاستقالات جدية ونهائية وحسب ماصرح به الصدر بلقاءه مع كتلتله المستقيلة في الحنانة، وهذا يعني اعطاء فرصة للاخرين لتشكيل حكومة من دونه، بما يمنح مزيدًا من المقاعد البرلمانية لقوى الاطار التنسيقي ليكون هو الكتلة الاكبر في البرلمان الذي يقع على عاتقه التفاهم مع المكونات والقوى السياسية الاخرى لتشكيل الحكومة.
خطوة الصدر بالانسحاب ستعمل على دفع جماهيره للاحتجاج خاصة ان الواقع يؤشر عودة المحتجين العراقيين لساحات التظاهر الذين أدانوا منذ عام 2019 النظام السياسي للبلاد ، فهنالك رفض للوضع الراهن، اذ حفز الانسداد السياسي منذ الانتخابات المبكرة في تشرين الأول 2019 العودة إلى السخط المستمر بين العراقيين الذين يشعرون أن النظام السياسي يعطي الأولوية لإبقاء النخب السياسية في السلطة على حساب توفير الخدمات الأساسية مثل الحصول على الكهرباء والمياه النظيفة وفرص العمل…
يعتقد الصدر إن وجود حكومة توافقية هو المسؤول بشكل اساس عن ترسيخ نظام سياسي لا يستجيب لاحتياجات الشعب العراقي. في ظل هذا النمط من الحكم تمت سيطرة الاحزاب التقليدية على مؤسسات الدولة واستخدمتها لبناء شبكات رعاية شخصية فئوية لها. أن الصدر الذي حقق حزبه المرتبة الاولى في انتخابات أكتوبر ، أراد استخدام ميزته الانتخابية لكسر هذا التقليد، حتى يكون للبرلمان وللحكومة يد أكثر حرية لتمرير التشريعات وتنفيذ السياسات. تحرك الصدر صوب الانسحاب من العملية السياسية رد فعل حول انحسار قدرته على إنشاء عملية سياسية تتضمن عدد أقل من اللاعبين يستبعد فيه بعض منافسيه ويساعده على تأكيد السيطرة داخل العملية السياسية، واعيقت هذه الرؤية من قبل قوى الاطار التنسيقي وبعض المستقلين الذين لجأوا إلى تعطيل جلسات البرلمان وتكتيكات اخرى، ان المعضلة الأساسية هي ان الصدريون كما غيرهم يريدون السلطة والمعارضة معاً، وهذا اصبح غير مستجيب وغير واقعي، ولهذا لجأ الصدر إلى أسلوب الانسحاب نسبياً من العملية السياسية كطريقة للانضمام إلى الجماهير. اذ يؤمن الصدر ان الكتلة البرلمانية ليست المصدر الوحيد للسلطة. ولهذا سيكون نصاب التظاهرات الشعبية الصدرية القادمة هو المعطل وليس فقط نصاب الثلثين او الثلث المعطل، في خطوة لتعزيز مكانته وشعبيته وتشكيل ضغط مباشر على خصومه ومنافسيه الذين وصفهم بالفاسدين الذين لايمكن التحالف معهم ولا الاشتراك في الانتخابات القادمة اذا ماشاركوا فيها، طارحاً خيار المشاركة في حال ازاحة خصومه عبر ثورة شعبية او ماسواها.
في حين يرى الاطار التنسيقي وحتى حلفاء الصدر السابقين ان استكمال الاستحقاقات الدستورية والبدء في حوارات وتفاهمات سياسية جديدة وفقا للواقع الذي تركه الصدر هو الحل الامثل لان سيناريو اعادة الانتخابات مستبعد في ظل ظروف معقدة اذ لا جدوى من هذه الاعادة في ظل اجواء التقاطع والتخالف والانسداد خاصة ان المتوقع ان تكون نتائج اعادة الانتخابات متقاربة مع سابقتها ان حصلت، ولهذا يعتقد السنة والاكراد وقوى الاطار ان استكمال الدورة الحالية حتى مع انسحاب الصدر هو الخيار المتبقي امامهم ولايمكن حل البرلمان او الاستمرار بحالة الانسداد السياسي، بالمقابل قد لايسمح الصدر بهذا السيناريو لانه سيكون امام الرأي العام هو المشكلة وليس الحل في حين يرغب ان يكون العكس هو الصحيح.
استقالة الكتلة الصدرية والشلل السياسي في العراق / د. احمد الميالي
(Visited 79 times, 1 visits today)