وسام رشيد
نجح الكرد بتدويل مجزرة حلبچة الأليمة عام 1988، اذ يتداولها الاعلام الغربي بإهتمام واسع، وعلى مستويات شعبية ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات ترعى حقوق البشرية المنتشرة في معظم انحاء العالم.
ذكرى المجزرة حاضرة في الذاكرة الانسانية على مر العقود في سنوات حكم النظام السابق الذي ارتكب الجريمة، وما بعد سقوطه في عام 2003، فقد جعلها الكرد أحد أهم مأسي البشرية، وجَذبوا لها إهتمام العالم المتمدن.
بعد عامين من تنفيذ هذه الجريمة، إرتكب النظام البعثي سلسلة أخرى من الجرائم المختلفة التي لا تقل وحشية عن مجزرة حلبچة، اذ قام بقتل الالاف ودفنهم في مقابر جماعية منتشرة على طول وعرض الوطن خاصة في المناطق الشيعية، على اثر انتفاضة اذار التي راح ضحيتها ما يقرب النصف مليون مواطن، غالبيتهم من النساء والاطفال والشيوخ الهاربين من القصف العشوائي على مناطق سكناهم.
كنت شاهداً على فتح احدى تلك المقابر في نيسان عام 2003، عندما كنت ابحث مع أخوتي وخالي الأصغر عن افراد من أسرتي غيبهم النظام ولم نعثر عليهم لهذه اللحظة، ورأيت عشرات الرفاة لصغار ونساء مع ملابس نسائية واحذية لاطفال وغيرها من بقايا الجثث والعظام البشرية المدفونة بوحشية لا مثيل لها في تأريخ هذا البلد المنسي.
الكثير من الجماجم كانت بدون اطلاقة نار والملابس (الدشاديش) في اغلبها لم يخترقها الرصاص مما جعل القائمين على الحفر والمختصين والأهالي القريبون من تلك المقابر يجمعون على إنهم قد دُفِنوا أحياء.
بدمٍ بارد، وبتخاذل واضح من قبل جميع المؤسسات الدينية والقبلية والاجتماعية التي تتصدر المشهد الآن بشعارات القوة والبسالة والاستعداد للتضحية، تم ذبح أبنائهم مع ذويهم، تماما كما فعلوا بأبناء الشمال وأنفالهم، وكيمياوي حلبچة الذي قضى فيه مئات الالف من المواطنين العزل.
لم ينجح شيعة الحكم منذ عام 2003 الى الان في تسويق مأساة المقابر الجماعية، ولم ينجح الاعلام في تصدير محنة الشعب وفقدانه جزء كبير من المجتمع تحت ترابٍ غادر وجبان.
لا ننكر انهم تباكوا قليلاً في بداية الأمر وما ان تصدروا المشهد السياسي حتى تنكروا لهذه الجريمة، ولم يبذلوا جهداً لتدويلها كما فعل الكرد.
أكثر من ذلك أنهم لم يفلحوا في جعل هذه الذكرى متداولة في الاوساط العراقية المثقفة والاعلامية الا على نطاق ضيّق، ومحسوب.
وحتى الإعلام الشيعي لا يستخدمها الا بحدود الحاجة لتأثيراتها العاطفية في التعبئة للإنتخابات او الحملات التي لا تخلوا من نكهة مذهبية في اصطفاف سياسي لم يخدم الشيعة في كل المحافل والفعاليات.
استثمر قادة الشيعة السياسين والدينين مقابرهم الجماعية داخلياً فقط، وبحدود اعلامهم المحدود، ليداعبوا مشاعر البسطاء لسوقهم الى مناسباتهم، ولم يبذلوا جهداً في جذب اهتمام المجتمع الدولي لتلك المحنة، والتخفيف عن آثار الجروح المتراكمة على هذا الجيل الذي عاش هذه المحنة.
وفي ذكرى مجزرة حلبچة الأليمة يتسائل ابناء الجنوب البائس، الناجين من مقابر النظام الجماعية، متى ستُكرمون أهلنا الذين قضوا، كما يكرم أخوتنا الكرد شهدائم.
لن يجيبهم أحد، بل ربما وضع بعضهم الملح على تلك الجراح النازفة.