الحد الادنى للشرعية …   محمد عبد الجبار الشبوط

الحد الادنى للشرعية … محمد عبد الجبار الشبوط

محمد عبد الجبار الشبوط

من الضروري جدا التحلي بالحساسية الفائقة ازاءالشرعيةفيما يتعلق بمؤسساتالدولة وقراراتها. وتشكل هذه الحساسية احدى الضمانات المهمة لعدم ظهور مؤسساتغير شرعية او اتخاذ قرارات غير شرعية. والشرعية هي وصف يمنح لفعل أو شخص علىأنه ضمن إطار  الدستور او القانون النافذ. فالشرعي هو ما كان موافقا للدستور اوالقانون، وغير الشرعي هو ما كان مخالفًا للدستور او القانون.

وتعنيالحساسيةرفض الشعب لاية مؤسسة او قرار لا يتصف بهذا الوصف. وهذهالحساسية احدى ضمانات عدم خروج الحاكم او صاحب السلطة والقرار على الشرعية،باي شكل من الاشكال.

وتحرص المجتمعات على ترسيخ الشرعية لضمان استقرارها ومنع الهزات الداخلية. فتصبح الشرعية قاعدة اساسية من قواعد بناء الدولة، وضبط سلوك الحكام والمحكومينمعا.

ويساعدالاستقرار الدستوريعلى ترسيخ الشرعية وارساء القواعد الثابتة لها، ومن ثماستقرار الحياة السياسية و ثبات الدولة. وهذا ما تحرص عليه الدول الديمقراطيةالعريقة.  ومثال ذلك دستور الولايات المتحدة الذي مازال ساريا و نافذا منذ دخولهِ حيزالتنفيذ سنة 1789. وقد كُتبت الوثيقة في اجتماع فيلادلفيا عام 1787 وحظيت بالتصديقعبر سلسلة من مؤتمرات الولاية التي عُقدت في عامي 1787 و1788. ولا يعني هذا انالدستور كان كاملا ومبرأً من النواقص في صيغته الاولى، بل كان نصا ناقصا تعوزهالكثير من التفاصيل ولهذا اضطر الاميركيون الى تعديله  27 مرة.

لم يعرف العراق دستورا دائما منذ عام ١٩٥٨، حيث الغت سلطات الجمهورية الاولى  دستور عام ١٩٢٥ ولم يتم وضع دستور دائم الا في عام ٢٠٠٥. وكانت بعض قوى المعارضةالعراقية اقترحت العمل بدستور عام ١٩٢٥ بعد الغاء المواد المتعلقة بالملكية.

وقد ارسى الدستور الجديد اسس الشرعية حين نصت المادة (5) على انالسيادةللقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها“.

وقد اكدت المحكمة الاتحادية، برئاسة جاسم محمود عبود، هذا المبدأ الاساسي حين قالتفي فقرة مهمة وردت في القرار رقم ٢٣ لسنة ٢٠٢٢:

اصبح اليوم انشاء البرلمانات ركنا جوهريا في الحياة الديمقراطية” …” وان كل ذلكيفترض الالتزام باحكام الدستور باعتبار ان الدستور هو الذي يعطي الشرعية لمؤسساتالدولة الاتحادية والاقليمية، وبخلافه تفتقد تلك المؤسسات شرعيتها“.

وهذا ما عبرت عنه المادة ١٣/ اولاً من الدستور التي تقول:  يُعدُ هذا الدستور القانونالاسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزماً في انحائه كافة، وبدون استثناء“.

وعلى هذا فان الشعب مصدر الشرعية والالتزام التام بالدستور شرطها.

يمثل هذا الحد الادنى من الشرعية التي يجب ان تتوفر وتترسخ في المجتمع العراقي. وهي شرعية حازت على قبول اغلبية الشعب بها باستفتاء عام، وعلى قبول المرجعيةالدينية العليا.

وبناء على ذلك، فاني اقول ان المقترحات والافكار الاصلاحية التي ينادي بها الكثيرونيجب ان تكون شرعية، اي متوافقة مع الدستور، لضمان استمرارية الاستقرار الدستوريحيث لا يصح ان يبدأ المجتمع العراقي من نقطة شروع جديدة في كل مرة. تؤدي البداياتالكثيرة الى فقدان خاصية التراكم التقدمي في حركة المجتمع العراقي. وهذا ما نعاني منهمنذ ولادة العراق المعاصر الى اليوم.

لكن هذا لا يمنع ان يكون ضمن الاجندة الاصلاحية تعديل الدستور، لمعالجة ما حصل فيهمن ثغرات ونواقص، ومواد لا تناسب حركة المجتمع العراقي نحو الدولة الحضاريةالحديثة.

(Visited 3 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *