بقلم :د.عادل جعفر
استشاري الطب النفسي
هناك العديد من الأسباب التي تجعل الأطباء النفسانيين يترددون في معالجة قضايا الروحانية عند المرضى النفسيين . ..
قد يكون هولاء الأطباء أقل روحانية بشكل عام من المريض أو قد يكونوا غير مرتاحين في طرح هذا الموضوع مع المرضى.
تاريخيا ، كان هناك صراع بين الطب النفسي والدين. وقد أشار بعض المؤلفين (مثل فرويد) إلى أن الدين عبارة عن “وهم” ، و هو مجرد دفاع عصابي ضد تقلبات الحياة.
و الذي بدوري لا أتفق معه.
بالإضافة إلى ذلك ، قد يشعر بعض الأطباء النفسانيون بعدم الارتياح للانخراط في شبكة اجتماعية تُدعم من قبلهم مع رجال الدين سوية لتقديم رعاية للمرضى، لكن هذا لا ينفي ان هناك توجه لبناء هكذا نوع من شبكات الدعم .
تظهر الأبحاث أن العديد من المرضى يعتمدون على الروحانية كآلية للتكيف مع الحياة و تفاصيلها ،
من ناحية آخرى طبيعة أعراض الأضطراب النفسي لها علاقة بالجانب الروحاني للمريض و درجة إيمانه و مدى تعمقه بالدين .
نتائج هذا الأعتماد الروحاني يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية و هناك
تأقلم إيجابي و تأقلم سلبي .
يمكن أن نفهم سبب نشوء معظم الاضطرابات النفسية بأنه يعتمد على ما يسمى بنموذج قابلية التأثر او التحسس عند التعرض للأجهاد و الضغوط .قابلية التأثر بالأجهاد يحددها التفاعل المشترك بين العوامل البيولوجية والنفس- أجتماعية و التي بدورها تحدد بداية ومسار الاضطراب النفسي؛ وهنا يأتي دور الروحانية للتأقلم!!.
في واقع العمل في مجال الطب النفسي ، يمكن لمعتقدات المريض عند مواجهة اضطراب نفسي ما وصعوباته المتعددة أن تعمل أما كمورد إيجابي أو سلبي.
واقعاً التأقلم الديني يمكن أن يخدم خمسة أغراض:
• الروحية (معنى ، غرض ، أمل)
• التطوير الذاتي (الهوية الإيجابية)
• الحل (الاكتفاء الذاتي والراحة)
• المشاركة (القرب مع الآخرين ، والترابط مع المجتمع)
• ضبط النفس (يساعد بالحفاظ على العواطف والسلوك تحت السيطرة)
يمكن للتأقلم الروحاني الإيجابي أن يساعد المريض في السيطرة على الأعراض (على سبيل المثال ، “معي دائمًا القرآن ليحميني ، عندما أشعر بأنني في خطر ، أقرأه وأشعر أنني محمي من الله. إن الله يساعدني في محاربة أفعالي السلبية وعلى العنف الذي قد يصدر من عندي بأتجاه الإخرين أو بأتجاه نفسي، أن الله سيحاسبني محاسبة شديدة أن أنتحرت و نهايتي ستكون في جهنم .
اما التكيف الروحاني السلبي فيتم التعبير عنه من خلال ما يعرف بالكفاح الروحي
هذا الكفاح أو النضال الروحي ممكن أن يكون داخل الشخص نفسه و بذلك يصبح شخص متطرف بأفكاره و سلوكه او يكون من خلال العلاقات الشخصية
النضال الروحاني السلبي يمكن أن يكون مرتبطاً بتمثيل المريض للشخصيات الروحية.
قد أظهرت الأبحاث الحديثة أن الإيمان الروحاني للمريض النفسي قد يكون مرتبطا بطبيعة أعراض المرض النفسي و كذلك بنتيجة الاضطرابات العقلية من ناحية التحسن النهائي من عدمه.
مثال على التأقلم الروحاني السلبي
لحالة السيدة(س) التي كانت تراجع عيادتي الخاصة.
تعرضت السيدة (س) و هي في عمر 45 عام الى حادث أصطدام، أذ اثناء عبورها الشارع صدمها أحدهم و لاذ بالفرار، أصيبت السيدة (س) بأضطراب ما بعد الصدمة.
قبل الحادث كانت ملتزمة جداً في دينها و القيام بالواجبات و الطقوس الدينية و بعض الفعاليات الروحانية مثل زيارة العتبات المقدسة و خلافه.
بعد الحادث لم تغفر للشخص الذي صدمها، مما جعلها تشعر بالذنب ، عدم غفرانها قلل من روحانيتها و التزامها، بدأت تتكاسل بالصلاة و لم تعد تزور العتبات أو تقرأ القرآن.
نحن معشر الأطباء النفسانيين يجب أن تقييم الجانب الروحاني لمرضانا . أذ من المرجح أن يثير التقييم الروحي عدة قضايا سريرية مهمة في المرضى الذين يعانون من الاضطراب النفسي.