قوة الافكار والرمزية في قصائد “مبين خشاني”

 

 

حمدي العطار || كاتب عراقي

 

انا اميل الى الرأي الذي يقول اذا الشيء الذي ينظمه الشاعر من خلال الشعر الحديث وقصيدة النثر يمكن ان ينظم بالشعر العمودي فمن الافضل ان يقوله بالشكل الكلاسيكي ، اي على الشاعر ان يقنع المتلقي بقوة الافكار في القصيدة والتي من الصعوبة ان يتم تقييدها بالوزن والقافية!
وتقترب قصيدة النثر من السرد ، وتتصف بالاختزال والرمزية ، وهذا ما تميزت به قصائد المجموعة الشعرية (مخطوف من يد الراحة) للشاعر “مبين خشاني” ففي قصيدة (عود) يقول الشاعر ” مازالت أصابعي شموعا\ وجبيني مهبط الطير\ عيناي عن بصيرة حية تنغلقان\ وفمي بلبل نافق وتاريخ غناء\ هذا المآل موت رحيم\ وهذه سيرة الجسد الذي تغادرينه\ وفيه فكرتك تبقى”ص17، تلمس في هذا المقطع من القصيدة كأنك امام لوحة تشكيلية رائعة ، وهذا السرد في القصيدة يقترب من الشعر القصصي في تماسك الافكار والصور.
في قصيدة (موقف السيدة تسعى) ويعتمد الشاعر هنا على الحوار والتداعي الداخلي ، العبارة اللازمة في القصيدة (كي لا احرجك) “لا نار من نفخ الرماد\ ولا ماء من عصر الصخر\ لكني بلا حيلتي أجتهد\ كي لا أحرجك”ص37بهذه الكلمات التي تلخص علاقة هذه المرأة بزوجها يقدم الشاعر تمهيدا لهذه التداعيات الحزينة، وتتوارد الصور لتفسير المقطع الاول “وانا في مطبخي أراوغ جوع خمسة أفواه\ وأرسم لهم في الهواء أرغفة وبيضا\ كي أشبع خيالهم، فينامون على معدة مخدوعة” ثم يأتي الغموض في هذا المقطع الذي يلغي وجود الرجل في حياة هذه المرأة او عدم حضوره “وبعد… أقعي في قلب البيت وأغسل يومي وفق تعاليمك\ وأشعل من روحي المستعرة شموعا.. وأقرأ كتابك\ لكنك..هناك في عليائك تشيح عن ضيمي نظرك” هنا تتحول التداعيات والشكوى الى مناجاة من خلال (أٌقرأ كتابك) و(لكنك في عليائك) ويأتي التوضيح في المقطع التالي فهناك انتظار لعودة الغائب ، فهل يمكن ان يعود؟ ” وأنا أدعوك بحواسي وجوارحي\ وأمد جسدي مائدة\ لو عاد صاحب بيتي\ لأجعل دموعي نافورة في الشارع\ وأكسو حيطان الحي حناء وماء ورد” ما ان يصل المتلقي الى قناعة بإن الرجل المقصود غائبا ومعذور ، حتى ترجع المرأة في القصيدة الى الشكوى والعتاب من هذه العلاقة القاسية “لكنك..تقدس صمتك\ مني إليك المسافة..سكاكين\ وأنا حافية أسير نحوك.\ والعظم في داخلي يتساقط كقلعة رمل\ وأنا أسير إليك.. إلى عمقك..إلى مكمنك\ صامتة..\ ولا يعني صمتي الرضا\ لكني أصمت كي لا أحرجك\ وفي السبيل\ أمني النفس ألا أجد عند الوصول محارة فارغة”38 في هذه القصيدة هناك غموض وبعد فلسفي، واحيانا فلسفة الشاعر لا تكون في خدمة القصيدة وقوة المعاني وعمق الافكار.
الخاتمة
المراهنة على الافكار في قصيدة النثر تعد مغامرة امام ما توفره القصيدة العمودية من جمال في اللغة وقدرة على تصوير الحقائق والوقائع وعنصر البلاغة في (الكناية والاستعارة والتشبيه) نحتاج الى افكار غريبة تبرر قصيدة النثر وهي قادرة ان تخلق الوان من الجمال الفني وتنطق بروعة التشكيل وجماليات الصياغة وفعل اللغة المتوهجة! وهذا ما تحقق للشاعر مبين خشاني في مجموعته (مخطوف من يد الراحة).


مشاركة المقال :