كتب رياض الفرطوسي
كلما رحل مبدع او مثقف او طبيب او مفكر او باحث او مخترع او فنان او روائي اصاب بالحزن لأنني اشعر ان العالم فقد شيئا من جماله واقول كيف رحل هؤلاء الى عالم الابدية والى مستقر الروح الازلي في حين كانوا يشعلون لنا نور العلم والمعرفة وبغيابهم تزداد حلكة هذا الظلام ويبقى الظلم والقهر والركود والسفه طاغيا وحادا وسافرا.هذا العالم الذاهب في الحرب والازمات والعنف والرياء. في هذا المقام استحضر الغياب المبكر لأخي ورفيق غربتي الدكتور علي رمضان الاوسي ( ابو احمد ) الذي سجل عبوره المختلف في هذا العالم خطوة ثابتة من حيث انه صنع ذاكرة معرفية وتاريخا للاجيال القادمة. عرفته منتصف الثمانينيات ‘ مناضلا وباحثا ومحاورا عتيدا . هادئا وواثق الخطو والرصانة . بارع في ردم فجوات الخصومة . كان حرا في فكره ووعيه وسلوكه مما جعله منفتح على الجميع . عاش في بقعة داخلية تحترم نفسها مما جعل الجميع يحترمه ويجله . كان البعض يزحفون وينبطحون من اجل المناصب والامتيازات والمكاسب لكنه فضل العزلة والتأمل في محراب العلم والبحث بعيدا عن الضجيج والخواء .فترك خلفه كتبا ونصوصا خالدة ومحاضرات قيمة. قال لي يوما انه لا يخاف الموت واعتبر انه نهاية طبيعية للانسان وخاتمة منطقية. ومع ذلك ظل ( ابو احمد ) يصارع المرض القاتل ويواجهه وينظر للموت ويحدق فيه وهو الذي نزع الدنيا بكل ملذاتها الصغيرة والكبيرة عن نفسه وهو شكل من اشكال تجاوز الخوف من الموت وتعامل معه برباطة جأش. وثبت ما كان يقوله اهلنا ( ان الموت مكب الذهب ).مع ذلك يبقى الفقد مؤلم خاصة اذا كان مبكرا وموت الصديق ابو احمد موجع لأن الموت تجربة لا تتكرر.ولأننا في زمن تلاشت فيه حدود المنطق مع الواقع ‘ لا حياتنا تشبه حياة الناس ولا موتنا يشبه موتهم اختلط الليل بالنهار والحال اننا في متاهة طويلة من الرثاء والتفجع وان العراقي ( الذي يعتقد انه حي ) هو من يستحق البكاء في هذا الزمن الاغبر زمن الهوان والذل والتفرقة والخنوع والجريمة والادعاء والكذب والانفصال عن الذات وعن الجسد وعن اللغة وعن الطبيعة وعن المجتمع.تعودنا ان نكابر في المرض والموت والمحنة والخسارة والخوف والاحتراق ونحن من الداخل نتمزق ‘ نكابر في الرثاء وفي العبادة وفي الكتابة وفي العمل من اجل ان لا نصرخ ‘ من اجل ان لا يسمعنا احد ‘ من اجل ان لا نفتح افواهنا للسماء ‘ من اجل ان لا نلطم على الصدور ولا نمزق الخدود ولا نذرف الدموع ولا ( نهوس خلف جنازة في توديع للميت ). لكننا في وداع الكبير ابو احمد لا نكابر رغم ان العين تدمع والقلب يحزن والفقد مؤلم. لقد حملك الاحياء من رفاق الدرب مرثياتهم الكبرى هؤلاء غرباء الارض والوطن على شكل رسائل الى الاموات ممن ستلتقيهم في ( حدائق الابدية : ها يا الرايح بلغ النايم كلها تسلم عليك ).
العراق يخسر قامة وطنية مخلصة. … رياض الفرطوسي
(Visited 82 times, 1 visits today)