حسين فوزي
بحكم ولايته الدستورية على حماية سلامة العراق أرضاً وشعباً ودستوراً، بادر رئيس الجمهورية د. عبد اللطيف رشيد لعقد اجتماعا مع عدد من السادة المسؤولين، يتقدمهم نائب رئيس الوزراء السيد فؤاد حسين وعدد آخر من المسؤولين، اغلبهم من الكرد، لمناقشة ازمة المياه.
مع الأسف لم يشارك مسؤولو الزراعة والموارد المائية في الاجتماع!؟ وفي رأيي المتواضع كان الأفضل لو عقد مثل هذا الاجتماع بمشاركة الرئاسات الأربعة والمختصين، لذلك مع الأسف بدا الاجتماع خطوة معزولة عن سلطات معنية، كان في الإمكان أن تبلور منهجاً بشأن ندرة المياه، بالإفادة من اختصاص رئيس الجمهورية وخبرته العملية في اكثر من بلد.
وبالمناسبة ينبغي ملاحظة مجموعة حقائق: العراق الذي كان فيه 33 مليون نخلة، 12 مليون منها في البصرة عام 1960 بقي فيه ما يترواح ما بين 8-12 مليون نخلة عام 2003، نتيجة الحروب وزحف المدن على المناطق الخضراء نتيجة السكن الأفقي، بجانب التوجه لاقتلاع نخيل البصرة وبقية جنوب ووسط العراق بحجة أنها مناطق عمليات عسكرية، لينتقل جزء كبير من أفضل النخيل إلى مشايخ الخليج أو مزارع بعض المسؤولين في النظام المخلوع، بالأخص العسكريين، حتى غُيبت غابات النخيل من مدينة النخيل.
هذا “الاجتثاث” المدمر لسيدة الشجر وعمة سيدنا الرسول محمد، بجانب انخفاض حصة العراق من المياه المتدفقة من الجارتين تركيا وإيران لتصبح 32 مليار م3 عام 1996 بعد ان كانت 53 ملياراً، فيما انخفضت مناسيب تدفق الفرات 50%، واستمرت في الانخفاض حتى باتت الكثير من انهار العراق مجرد سواقي ملوثة تنفق فيها الأسماك نتيجة تصاعد نسبة الملوحة.
تركيا نفذت خطة سدود منذ عام 1974 تشمل 22 سداً، وإيران 10 سدود منذ عام 2000، أما نحن فاقمنا سد الموصل المهدد بالانهيار ولا يحقق حتى جزءاً مهماً من طاقة الخزن المفترضة، فيما واصلنا تجفيف الأهوار حتى بعد انتهاء الحرب مع إيران، ضمن سياسة قمع المعارضة المسلحة، ليصبح تجفيف الأهوار جزءاً رئيساً من تغيير بيئي خطير بالبلاد.
وهناك من يزعم أن في العراق اليوم 20 مليون نخلة، مضفياً على بعض المشاريع الزراعية الوسيطة حجماً ما يتخطى حقيقتها اضعافاً، فيما تتجه السلطات المعنية بذات التوجه التدميري لتحويل أراضٍ زراعية إلى مناطق سكنية، فيقتلع المزيد من النخيل وبقية الأشجار والمزروعات الأخرى، التي كانت تساهم إلى حد كبير في تلطيف الحرارة.
ويستمر حشد من المزارعين في إرواء مزروعاتهم وفق أنظمة متخلفة لا تنسجم مع تقلص مواردنا المائية والأنظمة الحديثة لتحقيق إنتاجية أفضل.
وإذا ما كانت المراجع العلمية ترى أن حاجات الإنسان للمياه تتراوح بين 100- 120 لتراً من الماء، فأن المواطن في الحمام وحده يستهلك ما يزيد على تقديرات الاستهلاك الاعتيادية، ناهيك عن أسلوب غسل السيارات بالرش، وتنظيف البيوت، وترك الحنفيات مفتوحة.
إن خطر تصحر شامل للبلاد قادم على حد تعبير نيويورك تايمس، وما يحول دونه مجموعة من الإجراءات التي تشمل الجميع، حتى العائلة في مسكنها.
والمطلوب مجموعة إجراءات عاجلة ضمن استراتيجية ترشيد استخدام المياه وتخزينها:
1. ضرورة التوقف عن تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية، وتنفيذ الحكومة منفردة أو بالتعاون مع أطراف أخرى مشاريع سكنية عمودية.
2. العمل على توعية المواطن بأهمية ترشيد استهلاك المياه في الزراعة وحياتنا اليومية، وتعميق دور جمعيات الترشيد، وفرض رسوم تصاعدية لأي استهلاك عائلي للمياه يتخطى المعدلات المفترضة. وهو نظام تعمل به تركيا متعددة الموارد المائية. وتوفير المزيد من الدعم لنظم الارواء الحديثة.
3. تشديد إجراءات حماية الأشجار، وفتح سجلات احصائية لها، وفرض غرامات تعادل بالأقل نصف دية قتل الإنسان، على كل من يتجراً على قلع شجرة بأي عذر. ومشاهداتي هي أن السلطات الرسمية، بالأخص البلدية، هي الأكثر تجرؤاً على اقتلاع الأشجار بحجة أنها ستزرع اضعافها في مشاريع مقبلة (لم نرها تُقبل أبدا).
4. أدخال مادة ترشيد استهلاك المياه والكهرباء ضمن المقررات الدراسية الأولية.
5. إقامة برنامج لتوعية ربات البيوت وبقية الأسرة بأهداف ترشيد استهلاك المياه والكهرباء كونها قضية مصيرية.
6. تحري سبل جدية فطنة لرسم علاقات مع الجوار بشأن تدفق المياه، وإذا ما كان الرئيس التركي الراحل توركوت أوزال تحدث عن معادلة “لتر نفط مقابل لتر ماء”، فأن هناك الكثير ما بيننا وتركيا وإيران غير النفط، فنهر دولارات استيراداتنا يمكن تضمينها بمعادلة بفطنة.
7. معالجة كل نضوحات المياه وتسريبها في الأنابيب، بجانب اقتلاع كل النباتات الطفيلية في مجرى الأنهار لتقليص الهدر، علماً ان الحفاظ على المناطق الخضراء واستعادة غابات النخيل له دور في تقليص هدر التبخر، مع ضمان استرجاع آلية الإمطار الطبيعية التي نفتقدها.
8. العمل بنظام قطع مبرمج ثابت لشبكة المياه، بقصد توفير خزين أكبر وبناء الخزانات الضرورية لمياه الشرب.
9. تولي السلطات حفر آبار ارتوازية وفق المواصفات الزراعية والصحة لخدمة المزارعين والمواطنين.
10. إقامة نظام مجاري لخزن مياه الأمطار، وإعادة تدوير الثقيلة، التي بدأت بها الهند منذ عشرات السنين.
11. إلزام أصحاب المساكن باستزراع ما لا يقل عن شجرتين دائمتين في الفضاء الخارجي ضمن مساحة البيت، وتكون هذه نسبة إلزامية للمساحات الأكبر، ومحاسبة المتجاوزين على المنطقة الخضراء في المسكن بغرامات عالية.
12. إلزام أصحاب المحال والمكاتب والمطاعم باقتناء نباتات بنسبة محددة بحسب مساحة المشروع، على ألا تقل عن 3 شجيرات، والكف عن تزيين المحال بالشجيرات البلاستيكية بدلاً من الحقيقية.
مثل حزمة الإجراءات هذه فقط يمكن قطع الطريق على اندفاعنا نحو جهنم الدنيا!؟
قطع طريق جهنم / حسين فوزي
(Visited 47 times, 1 visits today)