محمد صالح البدراني
لا تكنّى الدولة بالإسلامية لمجرد أن من يحكمها متدينون أو مسلمون، فالتدين غريزةوالإسلام منهج حياة ومنظومة قيم ونظام وليس قوانين عقوبات أو ما يفقد أهلية الإنسانفي القرار بالجبرية
من الخطأ الشائع أن نقول التاريخ الإسلامي، أو الدولة الإسلامية، العودة إلى الإسلام،استئناف الحياة الإسلامية، ومشكلة فهم الغرب للإسلام.
لقد أغفلنا كثرا من الأمور الجوهرية في منهجية الفكر الإسلامي الذي هو غذاء لعقليةالإنسان المبدع وعموم رجاله ونساءه فليس من رجال دين في الإسلام بمعنى رجال الدينكمؤسسة دينية، وإنما ترسخت هذه الطبقة كمؤسسة علمية والحقيقة أنها طبقة اغلبهامحافظة على تقليد وجمود وتراجع وغياب الإسلام عن الواقع كذلك غياب العلومالإنسانية.
التاريخ ليس تاريخ الإسلام:
الإسلام كبنية فكرية ليس من الماضي، ولا هو الذي تحول وتقسم وتشظى، بل مسلمونوغيرهم من صنع التاريخ بأفعالهم وأفهامهم، وهي من نجحت ومن أخفقت ومن تعادت أوتشاحنت أو ائتلفت، لكن الإسلام ليس ما أتانا من الماضي بفوضى اجتهادات وأفهامحاولت أن تتجاوز قدراتها ونطاقها العلمي والفكري فشوهت وتعددت واختلفت على ما لاليس له وجود أصلا، كالأسماء والصفات والإنسان مخير أم مسير، وأسئلة محلولة أصلافي فهم القضاء والقدر.
هذه الأمور وغيرها نوقشت في مقالات سابقة وفسر معناها، وان كانت الإشكالية حصلتفي زمن ما، واختلف عليها، أو كيفت وفق مصالح ولدعم حراك وثورات وأشخاص، فتلك منتاريخ البشر الذي لا يلزم واقعنا بشيء حقيقة وان التمسك به إصرار على التخلف والجهلالذي أعاد المسلمين إلى جاهلية وتناقض مع صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، بل باتوايعيشون فكرا في الماضي وسلوكا في واقع لا وجود للإسلام فيه إلا تبريرا.
فباتت الناس محكومة بغريزة التدين وليس الدين وتفهم الإسلام المنهج من خلال الغريزة لاالمنظومة العقلية، وتذهب إلى ما يسمى الحداثة بتكييف قسري كما حاول الأجداد تطبيقنظرية الفيض على التوحيد ومن خلال فرضيات لا أساس لها وتعاريف قسرية، والنتيجةهي إحساس بالدونية لن ينقذ العالم الذي يتعرض لفقدان التوازن في انحدار فكري أمامارتقاء عالٍ جدا في التكنولوجيا والتقنية وحالة تناقض بما لم يفهم فكرا أو مدنية.
الإسلام ليس دولة إسلامية:
لم يقم الإسلام دولة وإنما أقامها مسلمون في زمن اختلطت فيها المنظومة الأخلاقيةالإسلامية الراقية التي تركز على العدل والإنصاف والشريعة لا تخترق ومنظومة ترتكزعلى الأعراف وكانت دولة حاوية للتنوع محافظة على الأقليات فهم نسيج مجتمعيمحفوظة حقوقه بذمة رسول الله، وهذا جعلهم سليمين محافظين على كينونتهم وهذا لم يكله شبيه في العالم حينها ولا في علمانية أضحت دينا عند البعض.
فدولة يقيمها الإسلام على العدل والحفاظ على كرامة الإنسان لكن من يديرها البشرباجتهادات تتغير مع الزمان، هي دولة مسلمين إيجابية أم سلبية، وحتى باجتهاداتتجاوزت الشريعة في التوريث والجبرية اجتهادات بغرض عزل الشعب أن يكون طرفا فيالصراعات على السلطة، أما من يتحدث عن فاعلية الشريعة فهي لم تختفِ لكنها لم تكتحكم الحياة السياسية وإنما حياة الناس عرفا.
العودة إلى الإسلام:
الإسلام في كل زمان هو الإسلام لا حاجة للعودة إليه وهو ليس من التاريخ فامتنا مكلفة بهوكل ما هو مطلوب فتح طياته ليقود العصور تباعا.
استئناف الحياة الإسلامية:
من أين تستأنف؟ لقد مر زمن طويل على ابتعاد الناس عن عرى الإسلام وتغيرت الناسفنحن نحتاج لبناء جديد بمثاني جديدة تفتح لهذا العصر.
مشكلة فهم الغرب للإسلام:
ربط الغرب الإسلام بانطباعات منقولة عن الإسلام منذ التحشيد لحروب الفرنجة خلقحالة العداء والخوف من الإسلام وربط بزمان ومكان وعلو المسلمين به، وهذا خطأ بنيويفي الفكرة، فالإسلام ليس له زمان ولا مكان وفكره ممكن أن يحل أينما كان بمنظومة متكاملةتتفق مع الرقي المدني وتضع منظومة أخلاقية مفقودة في عالم اليوم تردم الفراغ الكبيربين الرقي المدني والتدني القيمي، المسالة ليست اتخاذه دين عبادة، بل من الممكن أن يرافقالحياة المدنية بدلا من منظومة القيم التي فشلت فعلا في إبقاء أهلية الإنسان واستمرارهبالكفاح من اجل الاستمرار في الحياة فأضحى خادما للمدنية بدل أن تخدمه، رغم القوانينوالنظم التي تراعي الإنسان ومعاشه والتي هي بديل عن التكافل لكنها ليست بفاعليتهورسمه، ولعل ما سبب الغرب لمجتمعاتنا كان عشره كافيا للقضاء عليها وليس الإمعان فيتخلفها وانحدارها الحضاري، المنقذ إذن منظومة القيم التي تنقل كثوابت في الذاكرةالشعبية وباتت من العادات والتقاليد وتشكل أساسا في نمط الحياة والتعاملات، المشكلةأن هذه المنظومة أخذت بالانهيار وهذا سينتقل بالضرر إلى أنحاء العالم الذي اصبحصغيرا وسيزداد التباعد بين طرفي المعادلة (التمدن والقيم) إلى ما لا يمكن وصفه أوتصوره من انحطاط أن لم يصارح النخب في كل العالم انفسهم ليرمموا ويبنوا الجديد.