كتب: البروفيسور ابو الحسن العابد
لـقـد تـوهّـم الـعـالـم وسـقـط فـي فـخ مـا ُيـسـمّـى بـالـديـمـوقـراطـيـة، وزّلـت أقـدامـه
فـي مـسـتـنـقـع وحـل الـحـريـة وحـقـوق الإنـسـان … الـزائـفـة، وبـمـا ان الـمـثـل الـعـربـي الـقـديـم الـذي يـقـول “حـبـل الـكـذب قـصـيـر”، فـهـا هـو يـنـقـطـع فـتـتـكـشـف الـحـقـائـق وتـسـقـط أقـنـعـة الأمـم الـمـتـحـدة ومـجـلـس الأمـن ومـؤسـسـاتـهـا ومـسـمـيـاتـهـا ….. وُتـفـتـضـح هـذه الأكـاذيـب الأمـريـكـيـة والـغـربـيـة الـتـي تـسـتـرت وتـبـجّـحـت بـهـا عـبـر هـذه الـعـقـود، مـن خـلال الـحـرب الـمـفـتـعـلـة فـي أوكـرانـيـا، والـتـي خـطـطـت لـهـا دول الإسـتـكـبـار الـعـالـمـي وعـلـى رأسـهـا أمـريـكـا، بـعـد أن شـعـرت بـدنـوّ تـفـكـك إمـبـراطـوريـتـهـا وطـيـشـهـا واسـتـهـتـارهـا فـي الـمـنـظـومـة الأمـمـيـة، لـذلـك سـعـت إلـى دفـع عـمـلاءهـا مـن الـنـازيـيـن الـجُـدد فـي أوكـرانـيـا كـمـا وصـفـهـم الـرئـيـس الـروسـي بـوتـيـن ونـعـتـهـم بـالـشـلـة، مـن خـلال إسـتـخـدام جُـهـلاء الـغـرب مـن الـسـاسـة أو بـعـض الـتـابـعـيـن لـ هـ ا ، بـ د فـ ع ا لأ مـ و ر إ لـ ى حـ ا فـ ة ا لـ حـ ر ب و ا لإ بـ تـ عـ ا د عـ ن ا لـ مـ سـ ا ر ا ت ا لـ هـ ا د ئـ ة والـحـوارات الـشـفـافـة الـتـي مـن شـأنـهـا أن تـحـل الـخـلاف الـدائـر بـيـن روسـيـا وبـيـن أوكـرانـيـا ومـن دون الـحـاجـة إلـى الـضـغـط الـمـسـتـمـر عـلـى الـحـقـوق الـمـشـروعـة لـروسـيـا وبـالـذات فـيـمـا يـتـعـلـق بـالـجـوانـب الأمـنـيـة الـتـي تـتـعـلـق فـي صـمـيـم الأمـن الـوجـودي لـروسـيـا، ولا نـريـد أن نـسـتـعـرض الإتـفـاقـيـات ومـنـهـا إتـفـاقـيـة مـيـنـسـك، فـضـلاً عـمـا قـدّمـتـه أمـريـكـا والـغـرب مـن أسـلـحـة وتـقـنـيـات لأوكـرانـيـا مـن أجـل دفـعـهـا لـلـحـرب، فـهـذه الـحـرب أمـريـكـيـة غـربـيـة بـامـتـيـاز هـدفـهـا تـدمـيـر الـشـعـب الأوكـرانـي
1
تحديدًا ومحاصرة روسيا.
ومـن خـلال هـذه الـحـرب الـروسـيـة الأوكـرانـيـة تـبـيـن لـلـعـالـم بـأن الـبـشـريـة بـمـا تـحـمـلـه مـن مـسـمـيـات الـشـعـوب أو مـا ُيـطـلـق عـلـيـهـا بـالأمـم أو الـبـلـدان أو الـدول أو الأقـطـار …، بـأنـهـا تـنـقـسـم إلـى أربـعـة أقـسـام حـسـب تـقـسـيـمـات هـذه الـمـؤسـسـات الـدولـيـة ونـعـنـي هـنـا بـمـجـلـس الأمـن والأمـم الـمـتـحـدة بـكـل مـؤسـسـاتـهـا بـمـا فـيـهـا مـا يـسـمـى بـحـقـوق الإنـسـان ومـن فـوقـهـمـا الـغـرب الأمـريـكـي، والـظـاهـر ان الإنـسـان فـي هـذه
المؤسسات والسياسات الأمريكية الغربية يخضع للتقسيم الرُباعي الآتي :.
أولاً – إنـسـان لا قـيـمـة لـه أسـواء مـات أو قُـتـل أو أنـُتـهـكـت حـقـوقـه وكـيـانـه … وهـم الـمـسـلـمـون والـعـرب تـحـديـدًا، إبـتـداء مـن فـلـسـطـيـن الـمـحـتـلـة مـرورًا بـالـعـراق وسـوريـا الـحـبـيـبـتـيـن وإنـتـهـاء بـالـيـمـن الـجـريـح ووصـولاً لـلـيـبـيـا والـسـودان والـقـائـمـة
تطول.
ثـانـيـاً – إنـسـان لـه قـيـمـة إعـتـبـاريـة يـحـق لـمـجـلـس الأمـن ومـنـظـمـات الأمـم الـمـتـحـدة وحـقـوق الإنـسـان …. مـصـادرتـهـا فـي أي لـحـظـة والـتـضـحـيـة بـهـا وفـقـاً لـلـمـصـالـح الـعـلـيـا لـدول الإسـتـكـبـار الـعـالـمـي، كـمـا هـو الـحـال لـلـشـعـب الأوكـرانـي وغـيـره مـن بـلـدان الإتـحـاد الـسـوفـيـتـي، أو ُيـّتـخـذ هـذا الـصـنـف كـوسـيـلـة لـتـمـريـر
المشاريع والمخططات الصهيوأمريكية.
ثـالـثـاً – إنـسـان غـربـي “أبـيـض” لا يـجـوز الـمـسـاس بـه ويـمـكـن لـهـذه الـمـؤسـسـات الـدولـيـة أن تـضـع جـمـيـع الـشـعـارات الـديـمـوقـراطـيـة الـزائـفـة وحـقـوق الإنـسـان فـي
2
مهب الريح، بل تسعى لتزييف الحقائق وقلب الوقائع من أجل حمايته.
رابـعـاً – إنـسـان لا يـحـق لـهـذه الـمـنـظـمـات كـمـجـلـس الأمـن والأمـم الـمـتـحـدة أن تـتـعـرض لـه ولـو إعـلامـيـاً، لأنـهـا سـتـصـطـدم بـتـهـمـة مـعـادات الـسـامـيـة وهـي تـهـمـة ُتـلـقـي بـصـاحـبـهـا فـي حـضـيـض الإبـادة الـشـخـصـيـة أو الـجـمـاعـيـة لأي إنـسـان أو جـهـة
تتعرض لهذا الجنس من البشر.
والـدلـيـل عـلـى هـذا الـتـقـسـيـم هـو الـمـعـايـيـر الـتـي تـتـعـامـل بـهـا هـذه الـمـنـظـمـات الـدولـيـة خـلال عـقـود مـن الـزمـن مـنـذ تـأسـيـسـهـا إلـى يـومـنـا هـذا، والأمـثـلـة كـثـيـرة والـشـواهـد وفـيـرة، لـقـد عـمـدت أمـريـكـا والـغـرب عـلـى غـزو وتـدمـيـر شـعـوب وإبـادة مـئـات الآلاف مـن أطـفـالـهـا وسـكـانـهـا ودمـرت بـنـيـتـهـا الـتـحـتـيـة والـجـيـوسـيـاسـيـة والإقـتـصـاديـة والأخـلاقـيـة والـصـحـيـة والـمـعـرفـيـة ونـهـبـت وبـددت ثـرواتـهـا …إلـخ، مـن دون أي سـبـب أو مـبـرر قـانـونـي، وهـي تـبـعـد عـنـهـا آلاف الأمـيـال، بـحـجـة أنـهـا تـهـدد أمـنـهـا الـقـومـي أو تـهـدد الأمـن والـسـلـم الـعـالـمـي ؟…!!، ومـنـهـا الـعـراق الـحـبـيـب الـتـي قـتـلـت مـنـه مـلـيـون طـفـلاً أثـنـاء الـحـصـار فـضـلاً عـن الآلاف مـن الـمـدنـيـيـن أطـفـلاً وشـيـوخـاً ونـسـاءً وكـل هـذا مـوثـق بـالـصـوت والـصـورة وإعـتـرافـات جـنـود قـوات الإرهـاب الـدولـي الأمـريـكـي الـغـربـي، ولـكـنـنـا لـم نـشـهـد ولـم نـسـمـع أي اسـتـنـكـار أو شـجـب أو إفـتـعـال حـصـار أو تـنـديـد مـن قـبـل هـذه الـمـؤسـسـات )مـجـلـس الأمـن والأمـم الـمـتـحـدة( عـلـى تـجـاوزات دول الإسـتـكـبـار والإجـرام
3
والإرهاب الدولي.
وكـذلـك فـي سـوريـا الـحـبـيـبـة ولـيـبـيـا الـعـزيـزة وغـيـرهـا مـن الـبـلـدان الأخـرى، وأخـيـرًا الـيـمـن الـحـبـيـبـة الـتـي ُيـقـتـل فـيـهـا الأطـفـال يـومـيـاً وتـتـنـاثـر أشـلاؤهـم أمـام الـكـامـيـرات وعـلـى مـرأى ومـسـمـع مـن مـجـلـس الأمـن والأمـم الـمـتـحـدة وبـرعـايـة أمـريـكـا والـغـرب وبـدعـم مـنـهـمـا لـقـوات مـا يـسـمـى بـالـتـحـالـف بـيـن الـسـعـوديـة ودويـلـة الـمـؤامـرات، أمـا مـجـازر صـبـرا وشـاتـيـلا والأراضـي الـمـحـتـلـة فـي فـلـسـطـيـن الـحـبـيـة فـكـمـا قـلـنـا لا يـجـوز الـتـعـرض لـهـا أو ذكـرهـا لأنـهـا سـتـصـطـدم بـالـمـمـنـوعـات والـمـحـرمـات الـكـبـرى لـلـسـامـيـة، وكـل هـذه الـشـواهـد تـدل عـلـى زيـف الـديـمـوقـراطـيـة وحـقـوق الإنـسـان وفـقـدان الـصـلاحـيـة لـمـجـلـس الأمـن والأمـم الـمـتـحـدة، مـن نـاحـيـة، وزيـف الإدعـاءات الإمـريـكـيـة والـغـربـيـة مـن جـهـة أخـرى،
وهمجية النظام العالمي من جهة ثالثة.
وقـد أثـارتـنـي قـضـيـة مـهـمـة، وهـي أن أمـريـكـا والـغـرب يـدافـعـون زورا وبـهـتـانـاً
وكـذبـاً عـن أوكـرانـيـا، بـل ان الـشـعـب الأوكـرانـي هـو ضـحـيـة لـخـيـانـة حـكـومـتـهـا مـن الـنـازيـيـن الـجـدد كـمـا وصـفـهـم الـرئـيـس بـوتـيـن، الـذيـن تـدعـمـهـم أمـريـكـا ومـن ورائـهـا الـغـرب، لـلـتـآمـر عـلـى الـشـعـبـيـن الأوكـرانـي والـروسـي، ومـحـاولـة تـحـجـيـم الـدور الـروسـي والـصـيـنـي الـذي يـسـعـى إلـى إصـلاح مـنـظـومـتـي مـجـلـس الأمـن والأمـم الـمـتـحـدة وتـحـجـيـم الإسـتـهـتـار الأمـريـكـي الـغـربـي ومـنـع الـعـفـرتـة الأمـريـكـيـة الـظـالـمـة والـهـيـمـنـة عـلـى مـقـدرات الـشـعـوب الـمـسـتـضـعـفـة ومـنـع تـجـاوزاتـهـا عـلـى الـقـانـون الـدولـي واسـتـغـلال الـمـنـظـمـات والـمـنـابـر الـدولـيـة …إلـخ لـخـدمـة مـشـروعـهـا
4
الإمبريالي.
فـهـذا الـكـيـان الـصـهـيـونـي الـمُـصـطـنـع والـدخـيـل يـحـتـل دولـة فـلـسـطـيـن وُيـبـيـد شـعـبـهـا ويـقـتـل أبـنـائـهـا يـومـيـاً، وكـذلـك يـحـتـل الـجـولان وجـزء مـن أراضـي لـبـنـان، ويـتـطـاول بـقـصـف سـوريـا الـحـبـيـة، ولـم نـسـمـع تـنـديـدًا أو اسـتـنـكـارًا أو عـقـوبـات كـمـا فـعـلـت أمـريـكـا والـغـرب فـي الـعـمـلـيـة الـعـسـكـريـة الـروسـيـة الـتـي هـي مـحـقـة فـيـهـا لـكـون أمـريـكـا والـغـرب يـسـعـيـان مـن خـلال الـحـكـومـة الـتـابـعـة لـهـمـا فـي كـيـيـف إلـى تـهـديـد الأمـن الـوجـودي لـروسـيـا، بـخـلاف كـل الـمـمـارسـات الـوحـشـيـة الـدمـويـة الـتـي قـامـت بـهـا أمـريـكـا والـغـربـمـن غـزو وتـدمـيـر لـبـلـدان بـأكـمـلـهـا وسـرق ثـرواتـهـا وقـتـل شـعـوبـهـا … دون أي سـبـب مـبـرر كـمـا أشـرنـا لـتـلـك الـدول الـتـي دمـرتـهـا أمـريـكـا
والغرب.
ولـكـن الـذي زاد مـن الإثـارة عـنـدي هـو إدعـاء الـغـرب بـأن أوكـرانـيـا جـزء
مـن أوروبـا، فـالـكـل يـعـلـم بـمـا فـيـهـم الأطـفـال بـأن دول الإتـحـاد الـسـوفـيـتـي هـي دول لاتـنـتـمـي ولاتـتـصـل بـأي شـيء لا مـن بـعـيـد ولا مـن قـريـب مـع أوروبـا، لا فـي الـلـغـة ولا الـجـغـرافـيـة ولا فـي الـكـنـسـيـة ولا فـي الـتـأريـخ، فـضـلا عـلـى أنـنـا لـم نـسـمـع فـي الـتـأريـخ الـجـغـرافـي لـلـمـعـمـورة بـأن هـنـاك دول أوروبـا الـغـربـيـة وأوروبـا الـشـرقـيـة، فـالـغـرب هـو الـغـرب، والـشـرق هـو الـشـرق، ولـكـن أفـضـل وصـف ُيـلـيـق بـهـذه الـديـمـوقـراطـيـة وحـقـوق الإنـسـان الـمـزيـفـة هـو وصـف بـطـل الـحـريـة الـجـديـدة الـرئـيـس
الروسي بوتين حينما قال “إمبراطورية الكذب” صدقت يا بوتين.
وبـعـد هـذه الـمـقـدمـة الـمـبـسـطـة نـود أن نـطـرح عـلـى الـرئـيـس بـوتـيـن وكـل مَـن يـقـف
5
خلفه من القادة والساسة الروس، بل وكل أحرار العالم على النظر فيما يلي :-
أولاً – إنشاء مجلس أمناء الدول، بدلاً عن الأمم المتحد. ثـانـيـاً – إنـشـاء اتـحـاد الـسـلـم الـدولـي، بـدلاً مـن مـجـلـس الأمـن الـحـالـي الـذي تحول إلى أداة بيد أمريكا والغرب ومن فوقهم الكيان الصهيوني الدخيل. ثـالـثـاً – إنـشـاء مـجـلـس الـطـاقـة لـلـسـيـطـرة الـدولـيـة، ُيـنـظـم شـوون الـدول الـمـصـدرة للطاقة.
وغـيـرهـا الـكـثـيـر مـن الـمـنـظـمـات الـدولـيـة الأخـرى، بـالـمـشـاركـة مـع كـل مـن الـصـيـن وإيـران والـعـراق وسـوريـا والـهـنـد ولـبـنـان والـيـمـن وأفـغـانـسـتـان وغـيـرهـا الـكـثـيـر مـن الـدول الـرافـضـة لـلإسـتـكـبـار الأمـريـكـي والـغـربـي، ولاسـيـمـا أن الـصـيـن والـهـنـد وروسـيـا وبـاقـي الـدول الـمـشـار إلـيـهـا تـشـكـل أكـثـر مـن ثـلـثـي سـكـان الـعـالـم، وبـالـنـتـيـجـة فـهـم أغـلـبـيـة سـاحـقـة، والأغـلـبـيـة الـسـاحـقـة لـهـا الـحـق فـي تـقـريـر الـمـصـيـر
الدولي كما يدّعون بديموقراطياتهم الزائفة، نكتفي بهذا المختصر من البيان.
الفيلسوف البرفسور أبو الحسن العابد )العابدي