بقلم / صَلاح يوسف الدهَش
يبقى الحَديثُ المُتَكَرر لِمعظَمِ الناس يَدور حَوْلَ أعباءِ الحَياةِ الدُنيَوِيَّة والضُغوطِ الكَبيرةِ التي يَتَعَرَّضُون لها باستِمرار، والتي تَتَراكم مُسَبِّبَةً تَوَتُّراً وإجهاداً نَفسياً (هناك أنواعٌ مِنَ الضغوطِ والتَوَتراتِ التي قد تَمُرُّ على الإنسانِ؛ فمِنها النَوع الحاد: كالمَواقِفِ الآنية أو العَرَضيّة التي قد يواجِهّا الشَخص خِلال وَقتٍ ما، والتي غالباً ما تَزول بإنتهاءِ المُسَبب، وهذا النَوع لَيسَ بِتلكَ الخطورَة حَيثُ يَكون أكثَر أماناً مِنَ الأنواعِ الاُخرى. أمّا الضغوط المُزمِنَة: فَغالباً ما تَكون نَتيجَة تَوتُراتٍ خارِجِيّةٍ تراكُميّة مُستَمِرّة تُحيطُ بالشَخصِ وبِشَكلٍ شُبه يَومي، كالمُعاناة الوَظيفيّة مَثلاً أو الأجواءِ العائليّة المَشحونَة، حَيثُ يُعَدُّ هذا النَوع مِن أخطَرِ أنواعِ الضُغوطِ التي قَد تُؤدّي الى نَتائِج صحيّة، نَفسِيّة وجَسَدِيّة، وَخِيمَة). وَقَد أدرَكَت المُجتَمعات المُتَقَدِّمَة خطورَة هذِهِ الضغُوط الحَياتِيّة اليومِيّة وتأثيراتِها السِلبيّة، التي يُعاني مِنها أغلَب الناس، مِمّا حَدَى لإنشَاءِ جَمعِيّاتٍ، حكومِيّةٍ وغير حكومِيّة، هدَفُها التَوعِيَة والإرشاد للتَخَلّصِ أو التَخفيفِ مِن آثارِها الصحيّة والإجتِماعِيّة، المُتَناوِبَة أو المُزمِنَة. وعلى الرًغمِ مِن الدِرايَة بِما تَؤول إلَيه، وصولاً لهَزيمَة الذات، إلّا أنَّ الكَثيرَ مِن الأشخاصِ لا يَملِكُون الإرادَةَ الكافيَةَ والوَعي اللازِم لِمُحاوَلَةِ التَفكيرِ في سُبُلِ مُواجَهَتِهَا والحَدِّ مِنْ تأثِراتِها على أوْضاعِهِم بكُلِّ تَفاصِيلِها. وتَكْمِنُ المُعضِلة الحَقيقيَّة في التأَقلُمِ والانسجامِ مَعَ تِلكَ الضُغوطِ حَتّى تُمسي جُزءاً مِن كِيانِهِم دونَ الإحسَاسِ المُباشِرِ لتأثيراتِها السِلبِيَّة على صحَّتِهِم النَفسِيَّة والجَسَدِيَّة، التي قَد تُؤدّي بالنَتيجَة الى تَدَهْورٍ صِحّيٍ كارِثي. وكَما هوَ مَعلومٌ للجَميع، أنَّ حياةَ البَشَرِ جُعِلَت في كَدٍّ وتَعَبٍ منذ أن خَلَقَها الله سُبحانَه وتَعالى، مِمّا يَتَطَلَّبُ تَحَمّل المَسؤولِيَّة، والتَحَلّي بِقَدرٍ عالٍ من الصَبرِ الجَميلِ، والإلتِزامِ، والتَحَدّي، لِمواجَهَة كافّة أنواعِ الضُغوطِ الدنيَوِيّة اليَومِية وتَخَطّيها بالطَرائِق المُمكِنَة والمُتاحَة. ومِنَ المَعلومِ أيضاً أن الشعورَ بِالألَمِ، الى حَدٍّ ما، يُعَدُّ أمراً طَبيعِيّاً، لا بَل وضَرورِياً كَونهُ يَعْكِس مَدى إنسانِيَّة الذات، إلّا أنَّ هناكَ العَديد من العَاداتِ والمُمارَسَاتِ التي تؤَثِّرُ سَلْباً على الذاتِ، مؤَدِّيةً الى تَخريبِها وأخْذِها بَعيداً عَمَّا تُريدُ وبِشَكْلٍ قَد يَصِلُ الى مَرحَلَةِ التَدمِير الذاتي. وغالِباً ما تَنبَعُ مِثلُ هكَذا حَالاتٍ مِنَ تَخَيّلاتٍ داخِليَّةٍ سِلبِيّةٍ ومُزعِجَةٍ، بَل مُنهِكَةٍ للطاقاتِ الكامِنَةِ في النَفْسِ، كالشُعورِ بعَدَمِ الأمانِ، والقَلَقِ، والعَجْزِ عَن أداءِ مُهِمَّةٍ ما، أو ضَروراتِ مُحاولاتِ إِرضَاءِ الآخَرينَ على حِسَابِ الراحَةُ الذاتِيَّة والصَحّة الذِهنِيَّة، وشعُورٍ بإمورٍ اُخرى مماثِلَة قَد تؤدّي الى خَلقِ حالاتٍ مِنَ التَوَتّرِ النَفسي. وفي مِثلِ هَذه العادات والمُمارَسَات قد يَصْبَحُ الشَخصُ مُعتاداً عَلَيها ومُسارِعًا في تَطبيقِها دونَ مُبالاةٍ ولا وَعيٍّ كافٍ لتَحَدِّيها. وهُنا لابُدَّ مِنَ التَذكير باختِلافِ شِدَّةِ الشُعورِ بَيْنَ إنسَانٍ وآخَر إعتِماداً على طبيعَة الشَخص وفِكْرِهِ وعَواطِفِهِ وطَرائِقِ التَعاملِ مَعَ الأزَماتِ والأوجاعِ التي تُواجِهه؛ فمَثَلاً، ومِن بابِ الافتِراضِ، أن شَخصَيْنِ واجَها ذات المَوْقِف المُؤلِم، فَتَرى أحَدهُما متأثِّراً باكِياً مُمَزَّقاً بينَما لا يَشعُر الآخر بتِلكَ الدَرَجة مِنَ الحُزنِ. وهُنَاكَ مَنْ يتَأَلَّمُ عِندَ الشُعورِ بِخَسَارَةِ شَخص ما، بصورَةٍ غَير مُتَوَقِّعة، مِمّا قَد يتَسَبَّبُ بإحداثِ جَرحٍ عَميقٍ دونَ ضَمانِ احتمَاليّة تَحَسُّن الحالَ بوَقتٍ سَريعٍ. وهُناكَ صِفاتٌ (أو سلوكيّات) عَديدَةٌ، يَتَّصِفُ بِها البَعض، قد تؤَدِّي الى إستنزافِ طاقاتِهم الإيجابِيَّة لِتَقضِيَ على طموحَاتِهِم مِمّا تَجعَلهُم لا يَشعُرونَ بالسَعادَةِ المَطلوبَة، بَل الإنغِماس في الأحزانِ ونِسيانِ، أو تَناسي، كُلّ ما هوَ جَميل ورائع في هذِهِ الدنيا. ومِن بَعضِ هذه الصِفات يُمكِنُ التَركيز على أهَمِّها والتي تَشمِلُ كُلّ مِنَ التَشَكّي (أو الشَكْوى)، والتَسويف في إتّخاذ القَرارات المُناسِبَة والعَمَل بِها، وكذلِكَ إهمال الذات. وغالباً ما تَكون هذه السلوكِيّات مُكتَسَبَة حَتّى تَصْبَح أساليبَ مُعتادَة، يَعتَقِدُ الشَخصُ الذي يُمارِسها أنّها تُساعِدهُ في تَخفيفِ تَوَتِّرهِ وتُخَفّف مِن شِدَّةِ التَعاملِ مع المَواقِفِ الحَياتيّة الصَعبَة. وَتُعَدُّ كُثرة التَشَكّي عَدُواً لَدوداً للشعُورِ بالسَعادَةِ والفَرَحِ والاطمئنانِ مَهما كانَت صِفَةُ الرِضا، أو القَناعَة، التي يَملِكها الشَخص ما لَمْ يَقُم بِفِعلٍ إيجابي للتًخِلّصِ مِن أي تَفكير سَلبي أو تَشاؤُمٍ أو يَأسٍ. وفي مِثلِ هذه الحالَة تُستَنزَفُ طاقَة الإنسان ويصبح مُحبَطاً في ذاتِهِ وناقِلاً ذلِكَ الإحباط لأهلِهِ وأحِبّائِهِ. أمّا التَسويف (وهو ظاهِرَةٌ مُنتَشِرَة لَدى نِسبَة غَير قَليلَة مِنَ الناسِ)، فيَعني التَباطُؤ في إنجازِ الأعمال المَطلوبَة وتأجيلَها دونَ مُبَرِّرٍ مَقبولٍ. (وللتَوضيح، هناكَ نوعانِ من التَسويف؛ أحَدُهُما يوصَف بالإيجابي المُتَمَثِّل في تَأجيلِ بَعض المَهامِ حينَما يَكون الفَردُ مُجبَراً على ذلك بسَبَبِ ظَرفٍ مُفاجئ غير مُتَوَقَّع، فَيُعيدُ تَرتيبُ أولَوِيّاتِهِ لِيَتَمَكَّنَ من إنجازِها فيما بَعَد وقَبلَ مَوعِدِها المَطلوب. أمّا النَوع الثاني الذي يوصَف بالسِلبي فَيَتَمَثَّل في تأجيلِ الفَرد لأعمالِهِ الضَرورية مِراراً وتِكراراً دونَ مُبَرِّراتٍ مَنطِقيّة). ويُعَدُّ النوع السِلبي من التَسويف كَنَتيجة لِشعورِ الشَخص بالتَوَتّر بِسَبَبِ الأزَماتِ التي يَمُرُّ بها والصِراعات التي تُؤَدّي الى حدوثِ أزَماتٍ داخل ذِهنِيَّتِه مِمّا يَصعَبُ على الفَردِ تَحَدّيها والتَغَلُّبِ عليها، فتَتَراكم لَدَيهِ الأعمال والمَهام حَتّى يَصبَح عاجزاً عن أداءِ بَعضَها أو الكَثير مِنها وضَياع الفُرَص والشُعور بالنَدَم مِمّا يؤدّي الى إنعدامِ الثِقَة بالنَفسِ وضُعفٍ بالعَواطفِ وميولٍ أكثَر للعُزلَةِ.
وتأتي صِفَةُ إهمالِ الذات مُرادِفَةً للصِفَتَين الأخرَيَينِ أعلاه (الشَكوَى والتَسويف)، حيث يَتَجاهَل المَرءُ ذاتِه ويَحرِمها مِنَ تَلبِيَة الإحتِياجات الأساسِيّةِ والمُمارَساتِ الحَياتِيَّةِ السَليمَة والضَروريّة، كالنَظافَة الشَخصِية، والتَغذِيَة الصِحّية، ومُمارسة الرِياضة البَدَنيّة والذِهنية، والنَوم الهادئ الكافِ، وحتّى الظُروف الصحيّة، مٍمّا يؤدّي الى عِلَلٍ جَسَديّة وعَقليّة وروحِيَّة قَد تَصِلُ الى مَرحَلَة الإكتِئابِ والقَلَق الاجتِماعي.
وإنّي على يَقين أنَّ كُلَّ إنسَانٍ يَوِدُّ التَفْكيرَ، بَل والعَمَل، جِدِّيّاً في التَخَلُّصِ مِن الضغُوط اليَومِيّة الجَسيمَة والقاسِيَة، التي قَد تؤَدّي الى أزَماتٍ نَفسِيّة، وأعراضٍ صحّية مُتَفاوِتَة الخُطورَة، حَسبَ نَوع الأزمَة وشِدَّتٍها، لكِنَّ حلولَها والشَفاء مِنها لَيس بِذاك التَعقيدِ، حَيثُ يُعَدُّ فِهمِ المُشكِلَة الخُطوَة الاولى نَحوَ الحَلّ السَليم. ويَذهَبُ الباحِثونَ المُتَخَصِّصُونَ في هذا المَجال بإطلاقِ تَسمِيَة “إدارَة التَوَتّر” على الأساليبِ التي يُرادُ بِها التَخفيف مِن آثارِ هَذِهِ الضُغوط الحَياتيّة والنَفسِيّة. وبِما أنَّه مِنَ المُستَحيل التَخَلُّص مِنَ الضُغوطِ اليَومِيّة بشَكْلٍ كامِلٍ والتَعامُل مَعَها أمرٌ لابُدَّ مِنهُ، فَمِنَ الأفضَل (بَل الواجِب) العَمَل على إيجادِ الصِيَغ المُناسِبَة والفاعِلَة لِتَحَدِّيها والتَغَلُّب عَلَيها. لذلك، فالمَطلوب إستِجماع القِوى الذاتِيّة الداخِلية والبِدء بِتَغييرِ أنمَاط الروتِينِ السِّلوكي اليَومِي مِن خِلالِ خَطَواتٍ هَدَفُها التَغَلّب على الصِفاتِ السِلبيّة الهَدّامَة (المذكورَة في أعلاه) والإستِعاضَة عَنها بِما هوَ إيجابي لراحَةِ البال. ويأتي ذلِكَ من خِلالِ وَضع إستراتيجيّات سَليمَة وصائِبَة، والتَحَدّي بِوَعيٍّ، للتَغَلّب على صِعابِ هذه السلوكيّات السلبيّة والانتقال الى العَيشِ بحَياةٍ إيجابِيَّة سَعيدَة رَغيدَة هانِئَة. وفي أدناه، يُمكِنُ تَلخيص بَعض الطَرائِقِ البَسيطةِ التي يُحاولُ الفَرد مِن خِلالِها البِدء بالتَخَلّص من صِفاتِ هَزيمَة الذات بإرادَة قَويّة، عِلمًا أنَّه لَيسَ مِنَ البَساطَةِ أو السُرعَةِ تحقيقَ المُبتَغى، مِمّا يتَوَجَّب التدريب على مُمارَسَة اليَقَظَة والتَحَلّي بالصًبرِ الجَميل:
- تَحديدُ الصِفَة (السلوك) السِلبيّة التي يَتَطَلَّبُ تَغييرها، ثُمَّ وَضِعُ خُطَّة عَمَلٍ بِفَقَراتٍ يَتَمَكَّنُ الفَرد مِنْ خِلالِها مُعالَجَة ذلِكَ السلوك السِلبي. وهنا لابُدَّ مِنْ مَعرِفَةِ الظروفِ الخاصَّة ونُقاط الضُعُفِ في العِلاقاتِ الحَسّاسَة التي تُثيرُ وتَدفَعُ للتَصَرُّفِ غَير المُناسِبِ مؤَدّية لهَزيمةِ النَفْس، مِمّا يَتَطَلَّب التَعَلُّم بكَيفِيَّة إستِخدامِ ومُمارَسَةِ القُدرات الفِعليّة بِحِكمَةٍ، فيما تَسمَح بهِ حَياة الشَخص.
- التَمَتّع بِعَقلٍ مُتَفَتِّحٍ يَصُدُّ ولا يَسمَحُ لِلتَوتّرِ والضُغوطِ مِن إجتِياحِهِ، لِيَبقى بَعيدًا عَن القَلَقِ والأفكارِ المَليئة بالهمُومِ، ونِسيان، أو تَجاهُل، أيّة مُشكِلةٍ قَد حَدَثَت في الأمسِ القَريب. وهُنا يَكمِنُ فَنّ الإنضِباطِ الذاتي كَوَسيلةٍ فَعّالَةٍ لِلتَخَلّصِ من التَوَتّرِ والآثارِ السِلبيّة للروتينِ اليَومي، والوصول لِراحةِ البالِ. فَفي العالَم اُناسٌ يَتَّصِفونَ بالسَلبِيَّة، وهؤلاءِ وأمثالهُم لا يَستَريحُونَ دونَ الإساءةِ للآخَرينَ. وبِغَضِّ النَظَر عَمّا يَفعَلونَ، فلا يَجِب أخذ الأمر على مَحمَلٍ شَخْصي، ومِنَ الأفضَلِ تَجاوِز الأمر بالتي هي أحسَن وبإيجابيّة.
- ضَرورَة البدء بِتَعلّمِ مَهاراتٍ جَديدَةٍ يَتِمُّ مِنْ خِلالِها التَخَلُّص مِنَ السلوكِيّاتِ السِلبيّة، التي قَد يَتَطَلَّبُ وَقْتاً، مُعتَمِداً على رَغبَةِ الإصرارِ والتَحَدّي. ويُمكِنُ تَسهيل ذلكَ بِبَعضِ الدَعمِ مِنَ الأهلِ والمُقَرَّبين أو حتّى دخول بَعض الدَوراتِ التَدريبيّة المُفيدَة المتَخَصِّصَة بهذا الشأن.
- مِنَ المُفيدِ جِداً وَضْعِ بَرنامَجٍ لمُمارَسَةِ بَعض النَشاطاتِ، كالتَمارينِ الرِياضِيَّة (وإن تَكُ على سَبيل المُتعَة)، والإستِرخاء والإستِمتاعِ بالموسيقى المُفَضَّلَة، والكِتابة (كَخَواطِرٍ سَريعَةٍ أو قِصَصٍ قَصيرَة، أو حتى مُذَكَّرات…)، كَسْر الروتين اليَومي المُمِل، وتَغيير أنواعِ الوَجَباتِ الغِذائِيّة المُعتادَة، وإعادَة تَنسِيق ديكُور مَكان المَعيشَة أو العَمَل، والتَواصل والتَحَدُّث عَن الهُمومِ مَعَ المُوثَقِ بِهِم مِنَ الأهلِ والأَحبَابِ والمَعارِف. كُلُّ ذلِكَ يُساعِدُ على تَخفيفِ الضغوط اليَومِيّة الحَياتِيّة والتَغَلُّب عَلَيها.
- الكُلُّ مؤمِن أنَّ الحَياةَ مَرحَلَةٌ عابِرةٌ ولا مَجالَ للخلودِ فيها، فَلا بُدَّ مِن الإيمانِ أنَّ لَكُلِّ مُشكِلَةٍ حَلٌّ، ولكُلّ قِصَّةٍ حَزينَةٍ نِهايَة (فَالحُزنُ لا يَدومُ)، وفي داخِلِ كلّ إنسانٍ نَوعاً مِنَ الإبداعِ، وأنَّ إرضاءَ الناسِ غايةٌ لا تُدرَك، ولكُلِّ نَفَقٍ مُظلِمٍ نهايَة يَبزَغُ النُور عِندَها. فَمَهْما تَكُن ضُغوط الحَياة اليَومِيّة صَعبَة ومُعَقَّدة، يَتَوَجَّب التَعاطي مَعَها بإيجابِيّة عالِيَة وبِحِكمَة ومَسؤولية بَعيداً عَن اليَأسِ والإحباطِ، وتَقَبُّلها بِكُلِّ طَمَأنينَة وسَكينَة ورِضا وإيمانٍ مُتَيَقِّنٍ جازِمٍ أنَّ الله قادِرٌ على تغييرِها.
- وجوبُ عَدَم العَيشِ في جَوِّ المُشكِلَة، بَلْ التَركيز بِجِدّية لِمَعرِفَةِ سَبَبِها (أو أسبابِها) مِن أجلِ إيجاد الحلولِ المُناسِبَة لتَفادِيها والتَخَلُّص مِنها. وهُنا يُمكِنُ إستِشارَة أهلِ الإختِصاصِ والخِبرَة والتَجارب الحَياتِية اللذينَ قَد يَحمِلون مِن طَرائقِ الحلولِ، ومِنَ العِبَرِ، ما لَمْ تَخطُر على بالِ الآخرينَ، وقَد لا تَجِدُها فيما يُكتَبُ في الكُتُبِ والصُحُفِ والمَجَلّاتِ وغَيرها، التي تُرَكِّز على الأوصاف العامَّة (كَما في مَقالَتي هذِهِ)، لِتَبقى لِكلّ حالَة خصُوصِيَّتها المُنفَرِدَة وتَحتاجُ الى مُتابَعاتٍ خاصَّة حتّى وإنْ إنطَبَقَت عَلَيها الصِفات العامّة المَذكورَة في أعلاه.
وخِتاماً، أرى أنَّ الكَثيرَ مِنَ الناسِ هُم على دِرايَةٍ بِسِلوكِيّات هَزيمَة الذات لكِن ما يَنقصَهُم هوَ الوَعي الكافِ لِمواجَهَتِها وتَحَدّيها، وعَدَم إهمالِها أو تَجاهُلِها، بل وجوب الإعتِراف بِها. فَمِن أجلِ العَيش بسَلامٍ وهدوءٍ، أجِدُ مِنَ الضَروري التَحَلّي بالتَسامُحِ لأنَّ في ذلِك سَلامٌ روحيٌّ، والإبتِعاد عَن الأنانِيّة والحِقدِ والحَسَدِ والعَداوةِ والبَغضاءِ، والثَبات على التفاؤُلِ الإيجابي الدائِم، والتَحَلّي بالتَضحِيَة، والوَفاء، والفَضيلَة. ويَبقى التَأَمّل عَيْنٌ ثاقِبَةٌ لرؤيَة بَواطِنِ الأمورِ ولُغَة لا يُجيدُها الكَثيرونَ، فَأشجَعُ الناسِ مَن يُبادِر بالاعتذار، وأقواهُم مَن يُسامِح، وأسعَدَهُم مَن يَنسى الإساءَةِ أو يَتَناساها، وأصلَحَهُم مَن يَتَحَمَّل الأذى دونَ مُعاناةِ الرَدّ بالمِثِل. وعَلى كلّ إنسانٍ واعٍ أن يَكونَ مَديناً بالحُبِّ والتَقديرِ والاحتِرام لكُلِّ فَردٍ يَنال الثِقَة التامّة دونَ خِذلانٍ مَهما كان، ويَرى الحُزنَ عِندَ صاحِبِهِ ولم يَتركَه لِوَحدِهِ، ويَتَقَبَّلَهُ كَما هُوَ ولا يَبتَعِدُ عَنهُ رَغْمَ كُلّ شيء. وتَبقى كُلّ الأشياء الجَميلَة، وغَير الجَميلَة، مَغروسَة داخِل النَفس لِنَرى مِن خِلالِها كُلّ الأحداثِ، فَأُولئِكَ اللذينَ يَملِكونَ عيوناً جَميلَةً سَيَرَوْنَ كلّ شَيءٍ جَميل، وهكَذا مَن يَملِك نَفْساً راضِيَةً سَيَقتَنِع وَلَو بالقَليل.