كتب : عبد الحميد الصائح
الحربُ قذرةٌ حتى وإن كانت عادلة ، فهي في كلّ أحوالها دليلٌ على عجز الإنسان عن حلّ المشاكل وتقاسم الحقوق دون سفك دماء . وهي مؤشر لانعدام السبيل الى ايجاد بدائل لقوة السلاح في فرض الواقع على الخصوم .
إولئك الذين يصنفون الحرب حتمية وعادلة ولابد منها ويدبّجون المقالات الشعر والادب( الرفيع ) واناشيد التعبئة لتسويقها
وتقديس ذرائعها وتمجيد وحوشها ، هم اخطر محركاتها عبر التاريخ البشري.
ذرائع الحرب في الغالب لاتخرج عن ثلاث
اما حرب عضوية تتعلق بتوسع الدولة او تجنب المخاطر السياسية والاقتصادية المحتملة وهي حروب استباقية تظل محل جدل في بواعثها ،
أو حرب عقائدية، اسانيدها نصوص دينية وأوهام لاحتلال الاراضي وطرد سكانها الاصليين.
أو حرب تتشكل سيناريوهاتها في جماجم الأباطرة ومجانين العظمة ونهّابة القبائل قبل ان تشتعل نيرانها على الارض .
تجمعها كلها ثلاث أيضا ،
ضحاياها من المدنيين العزل – أثارها لاتنتهي حتى قيام الساعة – تتجاوز أهدافها المعلنة الى أهداف اخرى لاسيما بعد أن تستفيد من حرائقها وفوضاها أطرافٌ أخرى لاستغلال ضعف المتحاربين، فتضمن أكبر قدْر من المصالح وتنفيذ مخططات مؤجلة لمراكز نفوذ الأقوياء بتقطيع أوصال البلدان واستثمار خيرات الشعوب . ولذلك لاتبدو أحوال العالم بعد الحرب – أية حرب – كما كانت عليها .
واذا كانت الحروب بين الأقوياء لها محاورها وتقاليدها ومستويات أحداثها وخسائرها ، فالانتصار والهزيمة في هكذا حروب عملاقة تلقي بظلالها على جميع الضعفاء في العالم، حيث يخرج المنتصرون بشراهة لابتزاز الدول الصغيرة وضمها تحت أجنحتها كما حصل في الحربين الكونيتين القرن الماضي، حيث نعيش في كنَفِ خرائطها وتداعياتها حتى يومنا هذا .
العرب والعراقيون تحديدا الذين يبدون في أناشيدهم انهم أعرق وأقوى الأمم التي اخرجت للناس كانوا دائما ضحية هذه الحروب ، سواء الكبرى منها او تلك التي يلعبونها بينهم، تتفرج عليهم القوى العظمى وهم يستنزفون بعضهم مثل نزاع الديكة الهزيلة . يراقبون اليوم بدهشة وحيرة مايحدث في أوكرانيا ويتتبعون الذرائع ويكررون مايقال،من أسباب، مثل خيانة اوكرانيا وارتمائها في احضان الناتو ، او ضرب العلاقة بين المانيا وروسيا وقطع رقبة الغاز المصدر من الاخيرة لها وللعالم ..الخ ومايقال ويشاع ليس سوى نزر يسير جداً من أبعاد وتشعبات العلاقات بين هذه الدول التي أسست العالم وتلاعبت بمصائر الشعوب بمايشبه اللغز ( مجلس الامن يفشل في ادانة روسيا لانها استخدمت الفيتو باعتبارها عضوا فيه !)
ولذلك كل يوم يطلع تبرير ومع كل مبرر وذريعة تتغير عقارب التعاطف والانحياز ، فالعربي لايمكنه أن يكون محايدا بل يتبنى الموقف تماما ويكون ملكياً اكثر من الملك، سواء يشجع نادياً رياضيا أجنبياً ، أو يميل الى معسكر في حرب وهو يرى كيف تحصد الاسلحة والنيران أرواح البشر وكيف ينزح المدنيون المرعوبون وتتعطل الحياة وتهدم الحواضر والأبنية ومنجزات الإنسان التي أنتجها في السلم .
وينسى أنه مواطن خائب بلا رأي ولا مكانة لدى انظمته التي اقتادته عبر مئات الاعوام الى جهات متقاطعة ولاسباب متناقضة وهو يكتشف اننا في العراق مثلا منحنا الأراضي والمياه لدول مجاورة كهديا قومية ، فيما حاربنا سنين طويلة ودفعنا الملايين من ارواح ابنائنا وعطلنا عجلة تقدم جيلين من ابنائنا خوفا على السلطة ، نقتطع ارض الوطن ونسلم خيراته مجانا ، ونحارب كي تبقى السلطة ! وهذا يعد أضعف وأخس الرؤى لانّها من صنف الذرائع الثالث، الحروب التي تصنعها الأوهام في جماجم القادة وينفذها الخائفون على الأرض .