علي حبل المتين || كاتب عراقي
عانت الشعوب نتيجة سياسات حكوماتها الرعناء والتي غالبًا ما تكون لأجل مصالح شخصية شتى المآسي والنكبات ولكن هناك شعوب اتعظت وتحولت ذهنيتها تحولًا عجيبًا فصارت هي التي تحدد وظيفة الحكومات وتقيد دورها وصلاحيتها بعكسها شعوب لمْ تتعض وما زالت تنطلي عليها التجارب الفاشلة حتى صارت اليوم أكثر الشعوب جهلًا وتخلفًا، الشعوب التي تكون أداة بيد حكوماتها وسهام متى ما تعرضت للخطر رمت بها من دون مبالاة هي شعوب منهكة منتهية الصلاحية ولا مبالغة أن قلنا على رأسها الشعوب العربية، فكل شعب من شعوبها يحاول النهوض والارتقاء بنفسه لا ينفك أن يكون أما عميلًا أو عبدا طائعا وإذا حاول التجنح خارج سربها رموه بداء العداوة والبغضاء، عندما نقول هذا الكلام ليس لأنا أفذاذ واكتشفنا هذا الخلل حديثًا لكن الكثير لا يود سماعه وهذه هي لعية العرب لا يودون سماع الحقيقة وكيف لا وهم تعودوا على الزينة والبهرجة الخادعة، أنا من هذا المجتمع وإذا أردنا الارتقاء علينا ألا نتقهقر طويلًا ونتعامل مع القضايا بكل واقعية تاركين المجاملة لأهلها…
في طيات هذا الكتاب ( تحول الشعوب الذهني ) يتعرض المؤلف “غوستاف لوبون” لنقطة مهمة جِدًّا كيف تعاملت ألمانيا مع الدول التي سيطرت عليها بفعل القوة ومن ضمن الجرائم التي لن ينساها التأريخ أن القوات الألمانية أجبرت هذه المجتمعات على ممارسة سلوكيات مخالفة لمعاييرها الخلقية والعرفية ومنها إنشاء دور بغاء وسط كل مقاطعة وبعدما هزمت ألمانيا العجيب في الأمر أنها عادت للسيطرة لكن هذه المرة صِنَاعِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا وقيادة بينما الشعوب التي تعلمت الدرس عانت طويلًا حتى لحقت بها، في ألمانيا الحكومة تقرر والشعب يخضع في إنجلترا كي يحمل الشعب على الخضوع ينبغي التغلب بداية على إرادته، وهذا هو دور الاحتلال الفكري فإنه يحتاج إلى فكرٍ يجابهه وأي فكرٍ لدينا ومفكرينا بين مقتول ومسجون ومشرد. هذه هي الشعوب تنهض بفضل الأفكار، لقد عانى الشعب العربي من الاحتلال منذ سقوط بغداد بيد المغول وإلى يومنا هذا من نكسة إلى أخرى؛ قد يقول القائل ما المانع من نهوض شعب دون أخر؟ نقول إن الوطن العربي (كالبدن إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد) وهذا ما فعلته سايكس بيكو فصلت بين أعضاء البدن؛ والآن نبحر في بحر المعرفة لنجاة بأنفسنا وتحصيل طريق الخلاص ليس مستحيلًا لكنه صعب…
مما لا شك أن مؤلفات “لوبون ” كانت كالبلسم على الجرح فهي تعتمد على قاعدة المنطق وتعامل الشعوب على أنها تجارب؛ يقول في تعريفه للشعب يتعلق مستقبل أي شعب بدوام جهوده وكثافتها لذا ينبغي له أن ببحث في داخله وليس في خارجه عن أسباب عظمته وانحطاطه؛ لقد ولد عصر الأوهام مع الإنسان الأول ولن يختفي من دون شك إلا مع الإنسان الأخير، لقد حلت الأوهام السياسية والاجتماعية محل الأوهام الدينية لكنها لم تختلف عنها كثيرًا؛ مازال عدد كبير من النفوس يحتاج إلى هذه الأوهام والحق أنها تمثل الرجاء والأمل والتعزية بالنسبة إلى النفوس هذه، فيما كانت التجربة أكثر بلاغة من الخطابات إذ أثبتت أن النظرية هذه أسست على جهل تام بالقوانين السيكولوجية فالإنسان ينتمي بادئ ذي بدءً إلى عرق قبل انتمائه إلى مهنة معينة وصوت العرق أقوى ونحن نغير مهنتنا بسهولة لكننا لا نغير عرقنا؛ ومع تأثير العرق لن تتوصل العقول الأكثر استقلالية التي قذف بها في هاوية الأخطاء إلا لتحرير أجزاء من الحقيقة، تنبثق روح العرق إذًا مع كل غرائزها وتهيمن على الروح المتشكلة من الضرورات اليومية، أن بلدًا يتألف من أعراق مختلفة للغاية حيث ما زال عدد كبير منها نصف بربري يمكن أن يحتمل الكثير من الحرية…
إن فن الإقناع يحب أن يتوجه بحسب الحالات إلى التأثيرات الانفعالية والصوفية والجمعية التي لا تقود الناس ولا تعود إلى ذكائهم إلا في بعض الأحيان لكنه لا يستطيع التأثير لذلك لا يلجأ القادة العظماء للناس إليه إلا نادرًا؛ أن الروح العميقة لأي شعب كثيرة تقرأ بشكل جيد من خلال أفعاله وبشكل سيئ من خلال أقواله ومن خلال تصريحات دبلوماسيه، أن البشر إذا أحسنوا القوى السيكولوجية سواء أكانوا دبلوماسيين أم جنرالات أم رؤساء دول فأنهم سيمتلكون سلطة قيادة إرادة الناس وأفكارهم، سيظل دورها هو الرئيسي فهي لا تبني السفن ولا المصانع لكنها توجه الناس الذين يصنعونها لقد غدت وبحق الأساس الوحيد الممكن لقيادة الشعب؛ عندما تفشل أمة في إفناء الأمم فإنها تجعلها تنمو ومع ذلك يجب علينا أن نحتفظ بذكرى أخطاءنا الماضية كي نتفادى الوقوع فيها مجددًا…
إن الحرب اقتلعت العديد من المفاهيم القديمة التي ترسخت بحكم العادة وأن التجربة وحدها يمكنها أن تدمرها أن الحرب قدمت لفرنسا الخدمات التي لم تستطع المؤسسات الأكثر إثارة للإعجاب أن تقدمها لها…
ينبغي لجيل الشباب الحالي الذي لم يشهد كثرًا من الماسي قبل أن يفرض أفكاره علينا أن يبدأ باكتسابها ينبغي له أن يتعلم، ومع أن العلم لم يقدم سوى اليسير عن أصولنا وعن مستقبلنا لكنه يعلمنا على الأقل أن الأشكال العليا أعدتها الأشكال الأقل كمالًا؛ حتى الآن تبدو المجتمعات البدائية الوحشية هي الوحيدة التي امتلكت فكرة شنق الأب لمجرد اشتباهها أنها قد تتلقى شكوى عن الابن، تعيد الحرب حَقًّا بعض الشعوب إلى أدنى درجات الانحطاط في التأريخ…
مادام هناك شعب غير قادر على تغيير مجموع المشاعر التي شكلت شخصيته فلن يكون بمقدورنا افتراض أن الألمان (وعلى ألمانيا قس كل متغطرس) سيتحولون لذا ينبغي قبولهم كما هم شريطة أن نحاول فهمهم جيدًا من أجل موقفنا المستقبلي إزاءهم؛ من البديهي أن تخلق الدقة التي تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم مظهرًا جديدًا للحرب الحديثة فالخصوم الحقيقون هم الصناعيون الذين يصنعون في أعماق مصانعهم المتفجرات وكتل الفولاذ بحيث يلفي أعتى الشجعان البواسل عاجزين عن مواجهتهم…
ادعت الكثير من الحكومات أنها فكرت في شعوبها لكنها لم تنجح إلا في القضاء على الفكر وجعل الرجال غير قادرين على التصرف؛ لقد جرى افتتاح عصر الجماهير والتأريخ سوف يسترشد أكثر فأكثر بالإرادات الجمعية…
إن استيعاب شعب لشعب أخر من دون فعل التزاوج المستمر لا يعد كونه استيعابًا ظَاهِرِيًّا يتعلق بعناصر سطحية للغاية وحسب فنحن لا نغير العرق بتغير البيئة فإذا كان بمقدور الأحياء أن يؤسسوا لغاتهم وأخلاقهم فإن روح الموتى التي يحملونها في ذاتهم تبقى عصية على انصهار مماثل، لا تنجم القواعد القانونية التي فرضتها المجتمعات كي تعيش عن تعسف البشر بل عن الضرورة في الواقع يمكن الترابط الاجتماعي أن يحل محل الفوضى والأمم تزدهر عندما تلفي الشعوب مستقرة بفعل العادات والقوانين التي تثبتها وحسب…
والواقع أن الشعوب التي تملك مدافع كثيرة هي التي تعول على نزاهة جيرانها وأما التي لا تملك فليس لها أية حق؛ ستستمر الشعوب في التذابح خلال بعض الفترات المتقطعة والنادرة وستستمر لوقت طويل، أن الشعب المسالم هو الذي يجلب الحرب ضده في حين الأمة المسلحة بشكل جيد نادرًا ما تعرض للتهديد…
إن بناء المجتمع سينهار نتيجة كوارث أخرى إذا حاولنا تشييده من أجل مجتمعات متخلية أي من أجل بنات أفكار العقل المحض التي لا تملك وجودًا إلا في عقل السياسيين أو في كتب الأساتذة.