طالب الاحمد
تُعد سيرة المرجع الشهيد محمد صادق الصدر، المعروف بالصدر الثاني (رض)، وتجربته في قيادة المجتمع تجربة متفردة في تاريخ الإسلام المعاصر وفي تاريخ التشيّع في القرن العشرين بشكل خاص، واقصد التشيّع بوصفه نهجاً علوياً يتسامى فوق الخلافات الفقهية والمذهبية، ولكن للأسف الشديد لم تتم دراسة هذه التجربة بعمق حتى الآن.
بإختصار أقول أن الصدر الثاني وظف ميراث الأئمة، سيما ميراث الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، في سعيه لقيادة الأمة في زمن الإستبداد..فكانت كل حركة له محسوبة بدقة متناهية وبحكمة لا نظير لها، كما تحرك الإمام الرضا لأداء رسالته ( عندما كان ولياً للعهد ) في فترة حكم المأمون من دون الإخلال بالأمن المجتمعي العام ومن دون تحالف أو تخادم سياسي بينه وبين السلطة، وهذا النهج الدقيق في التحرك لإحياء الأمة وأسلمة المجتمع في زمن الإستبداد لن يفهمه ساسة اليوم في العراق، وليس هو أصلا في أجندتهم. فشتّان بين من يتحرك لأجل الأمة ومن يتحرك لأجل السلطة.
المسألة المهمة الأخرى، الجديرة بالبحث والدرس، هي أن الشهيد الصدر تمكّن على نحو باهر من توظيف الكارزما التي يتمتع بها لجعل التشيّع العلوي مصدر إلهام لإعادة بعث مجتمع مُحاصر وغارق في البؤس والفقر، وهذا إنجاز تاريخي لم يتمكن من تحقيقه مراجع الحوزة العلمية في النجف الأشرف منذ أواسط القرن الماضي. فهو ، على سبيل المثال، يُعد المرجع الديني الوحيد بين علماء الشيعة والسنة الذي تمكن من تحويل صلاة الجمعة إلى ثقافة مجتمعية نهضوية وليس مجرد شعيرة عبادية، وجعل من “الحجاب” رمزاً للهوية والإنتماء يقاوم تيارات التغريب، وركزّ على وحدة السنة والشيعة بدلاً عن الاستغراق في خلافات التاريخ، والأهم من ذلك ان الشهيد الصدر تمكن من جعل مرجعيته الدينية بمثابة سلطة ثقافية في المجتمع العراقي تتجاوز سلطة النظام البعثي وتتفوق عليها في التأثير وكسب الجمهور والأتباع.
لم يكن رحيل الصدر الثاني مفاجئاً، ومن وجهة نظري أرى أن مخطط إغتياله كان يتحرك مبكراً في دوائر المخابرات، والسيد الشهيد أدرك ذلك وكان يتحسب له ويخطط لجعل حركته تياراً في الأمة لا يرتبط برمز الحركة قدر إرتباطه بمضمونها..وتلك هي رسالة الأنبياء والأئمة والصالحين.
في ذات السياق أحسب أن مشروع غزو العراق ما كان له ان ينطلق أصلا في حياة محمد الصدر..ولذلك أقول أن شهادته (رض) حفّزت الآخرين على المضيّ قدماً في الإنقضاض على عراق بلا قيادة.
واليوم أتساءل في ذكرى رحيله الدامي:هل يواصل المحبون والمريدون ذات النهج المتفرّد ويجعلوا من إحياء ونهضة المجتمع أولوية قصوى؟..تلك هي المسألة
الصدر الثاني وميراث الحركة الرضوية طالب الأحمد
(Visited 9 times, 1 visits today)