‎مبادرات الانسداد السياسي في العراق

‎مبادرات الانسداد السياسي في العراق

‎د. احمد عدنان الميالي

 

‎بعد تجاوز ازمة نتائج الانتخابات وحسمها قانونيا دخل العراق بازمة انتخاب رئاسة البرلمان والكتلة الاكبر وحسمت ايضا قانونيا لندخل بازمة انتخاب رئيس الجمهورية وكذلك ازمة الحوارات والتفاهمات السياسية خاصة بين الاطراف الشيعية التي لم تحسم لغاية الان واثرت على كل الفعاليات السياسية، وطرحت الاطراف السياسية مبادرات مختلفة لتجاوز هذه الازمات لكنها لاتتعدى التجاوز المرحلي المرتبط بمغادرة ازمة دون حل مسبباتها الدستورية والقانونية والسياسية، لتظهر ازمات اخرى متلاحقة ومتكررة عند اي استحقاق او فعل سياسي، واخرها مبادرة الاطار التنسيقي التي لم تحمل اي جديد فقط طلب اعادة التواصل والحوار ولم يتضح بالمبادرة بيان موافقة او تقديم قبول او تفهم للشركاء او تنازلات وهكذا حميع المبادرات والتغريدات المرتبطة بتلك الازمات لا تتجاوز هذه الصيغ البلاغية والكلامية التي لاتؤسس لحلول شاملة او فاعلة تنهي احتدام الخلافات والازمات المتلاحقة.
‎ان المبادرات التي يجب ان تطرح لتجاوز التحديات والسلبيات والاختلالات واعطاء صورة اكثر تعبيراً عن ترابط الديمقراطية التي ننادي بها بالممارسة السياسية سواء في الانتخابات او مخرجاتها بتشكيل الحكومة واداء عملها وتطبيق برنامجها، تتمثل بالاتي
‎١- لابد ان تنجز القوى السياسية طلاقا بائنا مع التكالب على المناصب والمواقع والمصالح التي توفرها الانتخابات للاحزاب للمشاركة في الجهاز التنفيذي، كما ان على الاحزاب ان تجعل من المشاركة فرصة ثمينة لتجريب البرامج الانتخابية والمشاريع والافكار بناءً على تنافسية شريفة مواطِنَة ومسؤولة وفي اطار البرنامج الحكومي العام المتناغم والموجه باهداف وقيم ومبادئ ومصالح وطنية بحتة.
‎ان اعتماد هذه الالية خلال الانتخابات وبعدها سيمكن الاحزاب من ربح معركة استعادة ثقة المجتمع ورصيده ودعمه الدي اضاعت منه الكثير، فاخطر مايمكن ان تواجهه النخب السياسية هو افتقادها لثقة المجتمع بشكل عام.
‎٢- على النخب السياسية ان تبلور ارادة سياسية واجتماعية قوية وواعية للاصلاح والتغيير والتجديد، مبادرة بذلك الى نقد ذاتي وموضوعي لاشكال وعوامل ضعفها وتراجع مستوى شعبيتها و تأثيرها، عاملة بذلك ايضا على تفعيل رشيد ممنهج لمهامها وادوارها السياسية والاجتماعية وخاصة مايرتبط منها بوظائف التكوين والبناء والتثقيف والتنشئة السياسية للمواطنين عامة، ولشريحة الشباب بشكل خاص لاهمية هذه الشريحة ووزنها وراهنيتها.
‎٣- يجب ان تتجه هذه النخب السياسية نحو اقامة قطيعة سياسية مع كل اشكال الفساد والقيم والعلاقات والممارسات التقليدية المتآكلة وتعمل على تأسيس ثقافة سياسية حداثية مستوعبة لكل مقومات وقيم وخصوصيات المجتمع العراقي التأريخية والروحية.
‎٤- على هذه النخب ان تستحضر هذه البدائل بدلا عن المبادرات العابرة وتعمل على كل مايحفز ويؤطر المشاركة السياسية والانتخابية، وتشكيل الحكومة وباقي الرئاسات فاذا ماتم تجاوز هذه الاختلالات يتم الربط بين اصول الديمقراطية واحترام الدستور وارادة المواطن وتتم استعادة ثقة المجتمع بالسياسة. وعدا ذلك سنعود لتكرار التجارب المريرة والفاشلة وندشن الدخول في الحلقات المفرغة والارتهان الداخلي والخارجي ويستمر العراق في الوقوع في منزلقات العقم السياسي القاتل، التي يمر بها الان.
‎يمتلك مجلس النواب الحالي فرصة ثمينة لتصويب الاخطاء والممارسات السلبية نظرا لوصول قوى نيابية جديدة، مع وجود بوادر لتحالفات عابرة للطائفية مع طرح سياقات حكومة اغلبية بدلا عن التجارب السابقة من توافق وشراكة ووحدة وطنية التي لم تؤسس لشيء سوى التراجع والاخفاق، ورغم البداية غير الموفقة للكتل البرلمانية بمقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية نظرا للاحتدام السياسي وانسداد افاق التفاهم، الا ان توجيه رئيس مجلس النواب باستئناف عمل المجلس فيما يخص تشكيل اللجان النيابية وفتح باب الترشيح مرة اخرى لرئاسة الجمهورية واستضافة وزير الزراعة والتجارة وتشكيل لجنة تقصي حقائق لمحاسبة المتورطين المتهمين بقتل المتظاهرين والمغيبين ومتابعة شؤون واحوال الجرحى ، يشكل خندقا مهما ضد كل من يراهن على تعطيل دور السلطة التشريعية سواء في تشكيل الحكومة او في مهامه الرقابية.

 

 

 

(Visited 5 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *