محمد عبد الجبار الشبوط
اعني بالوعي المعرفة والعلم الصحيح بالاشياء، مثل الظواهر السياسية والاجتماعيةوالاقتصادية الخ المختلفة.
وقيمة هذا الوعي في انه ينتج حركةً. فالوعي المجرد من الحركة علم جامد، في حين انالوعي المصاحَب بالحركة وعي متحرك، او وعي حركي.
وافترض ان هناك نوعين او مستويين من الوعي، هما: الوعي الكلي والوعي الجزئي.
الوعي الكلي، او الوعي التام، هو المعرفة الكاملة بالشيء والاحاطة بكل تفاصيلهوملابساته ومتعلقاته وجوانبه وعلاقاته بالاشياء الاخرى. فهو يمثل المعادلة الكاملةالصحيحة للشيء. فلو قلنا ان معادلة الماء هي:
H2O=H2+O2
فان هذه المعادلة ناقصة ولا تمثل معرفة او علما او وعيا تاما بالماء. وعليه وجب تصحيحهالتكون:
2H2O → 2H2 + O2
وهذه هي المعادلة الموزونة.
اما الوعي الجزئي فهو العلم او المعرفة الناقصة بالشيء. قد تكون هذه المعرفة الجزئيةبالشيء صحيحة بذاتها لكنها مفصولة عن العوامل الاخرى المحيطة بها. وينتج الوعيالجزئي تحركا جزئيًا بطبيعة الحال.
على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي يصح كلا النوعين من الوعي بشرط عدمالفصل بين الوعي الجزئي والوعي الكلي، لان الوعي الجزئي بذاته لا ينتج حراكا شاملا،كما ان الوعي الكلي المفتقر للوعي الجزئي بالاشياء قد يسبب اخطاء في الحراكالاجتماعي.
المتابع للطروحات الفكرية المتداولة العراق في جوانبها المختلفة السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية الخ يلاحظ انها قلما تنطوي على وعي كلي، وانها محصورة في دوائرصغيرة من الوعي الجزئي. ويصح هذا القول بالنسبة للحركات الماركسية والاسلاميةوالقومية التي نشأت في العراق خلال القرن الماضي من عمر العراق. ولم يظهر الا القليلونمن المفكرين الذين امتلكوا وعيا كليا للاشياء. ومن بين هؤلاء السيد محمد باقر الصدر.
تمتاز الحراكات الشعبية الاحتجاجية غالبا بانها تنطلق من وعي جزئي وليس من وعيكلي، ولهذا فهي لا تملك القدرة على احداث تغيير شامل في الواقع الاجتماعي بجوانبهالمتعددة.
وهذا ما تتميز به اغلب النقاشات الدائرة الان في مختلف الاوساط العراقية مثل مواقعالتواصل الاجتماعي والمجموعات الواتسابية وغيرها. فهي، على الاعم الاغلب، مازالتحبيسة الوعي الجزئي للواقع.
واذا اريد للحراك الشعبي ان يكون مغيرا و منتجا جذريا شاملا فلابد ان يستند الى وعيشامل للواقع المعاش والصورة المستقبلية المراد تحقيقها له.
وحدها اطروحة الدولة الحضارية الحديثة قادرة على تكوين الوعي الكلي، وهي بالتاليوحدها التي تصلح ان تكون قاعدة للحراك الكلي الشامل المنتج للتغيير الجذري وليسالترقيعي للواقع البائس الذي يعيشه العراق الان.