مجيد مسعود.. دوره الوطني وتأثيره في نظريات التخطيط الاقتصادي

مجيد مسعود.. دوره الوطني وتأثيره في نظريات التخطيط الاقتصادي

بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام
1958 تعززت العلاقات الثقافية مع اقطار اوربا
الشرقية اتيح بموجبها فرص توجه اعداد
كبيرة من الطلبة العراقيين للدراسة في تلك
البلدان وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي الى
جانب المانيا الشرقية وجيك سلوفاكيا وهنغاريا
وبلغاريا ويوغسافيا وبولندا ،، من حسن الحظ
حصولي عام 1962 على مقعد دراسي في
جامعة تشالز « كلية الدراما » في
براغ )تأسست عام 1348 وهي
واحدة من اقدم الجامعات في
العالم والاولى في وسط اوربا(
وخال فترة وجودي لاكثر من
خمس سنوات في براغ تعايشت
مع عدد كبير من العراقيين
الوافدين. وشاركت بانشطة
وفعاليات اجتماعية وثقافية عديدة.
كانت براغ وقتذاك قبلة الطلبة القادمين من افريقيا واسيا
وامريكا اللاتينية بعد انهيار الستار الحديدي الذي فرض على الدول
الاشتراكية في عهد ستالين فازدحمت المدن التشيكية والعاصمة
براغ بمئات من الطلبة المنحدرين من اعراق مختلفة للانتماء
الى جامعاتها المتنوعة الاختصاصات والبرامج ، وفي الوقت الذي
تمكنت فيه تلك الجامعات احتواء الطلبة الاجانب وسهلت قبولهم
كان الانتماء لجامعة تشالز يصطدم بعقبات تتعلق بمستوى الطالب
وخلفيته الدراسية وتوفر نوع الدراسة في الجامعة وقدرته على
استيعاب المناهج .
اتذكر جيدا ان عدد الطلبة العراقيين في مرحلة الدكتوراه )في
الستينات( في جامعة تشالز كان بعدد اصابع اليد ومن ابرزهم
فؤاد كمال الدين)تخصص هندسة( ومهدي الحافظ ومجيد مسعود
)تخصص علوم اقتصادية(.
من المعروف ان براغ في الستينات كانت مدينة صغيرة لذا كان من السهل
الالتقاء بمن ترغب من اصدقاء ومعارف او مراجعة مؤسسات الدولة ففي وسط
المدينة تقع ساحة فاتسلافسكي ناميستي حيث تزدحم الكازينوهات والفنادق
ودور السينما والمسارح والمتاجر وبالقرب منها بناية اتحاد الطلبة العالمي ،
كان العراقيون مغرمون بكازينو اوربا وبمستوى اقل كازينو فندق الامباسادور.
فيهما من الممكن ان تجد من تبحث عنه من العراقيين او تصادف وجها
سياسيا كعزيز الحاج او وجوه اعلامية كمفيد الجزائري وصادق الصائغ ويحيى
بابان)جيان( وهم من اهم المذيعين في القسم العربي لاذاعة براغ فضا عن
الجواهري الكبير وفيصل السامر الخ. ، الاحتفال بالمناسبات الوطنية كان من
شانه ان يجمع بين من تحيط بهم هموم وطنية وتطلعات مستقبلية وشغف
بمفردات برامج الاحتفالات من موسيقى وغناء وشعر. وكل تلك الفعاليات في
تنظيم التجمعات انيطت برابطة الطلبة العراقيين في تشيكوسلوفاكيا.
في هذا المناخ تعرفت على مجيد مسعود حين كان طالب دراسات عليا في
جامعة تشارلز « كلية العلوم الاقتصادية » ومعه مهدي الحافظ وبالضرورة
تعددت مناسبات اللقاء في الاحتفالات والتجمعات ولعل اهم تلك التجمعات
التجمع الغاضب الذي نظمه العراقيون احتجاجا على مجازر الحرس القومي بعد
انقاب شباط عام 1963 وقد نجم عن التجمع تشكيل اللجنة العليا للدفاع عن
الشعب العراقي برئاسة الجواهري وعضوية عدد من الشخصيات ابرزها. فيصل
السامر وعزيز الحاج ومهدي الحافظ ومجيد مسعود, ونوري عبد الرزاق حسين
سكرتير عام اتحاد الطلبة العالمي.
كان القسم الداخلي الذي اقيم فيه يقع بالقرب من مقر اللجنة لذا رحبت بطلب
اللجنة قيامي بالضرب على الآلة الكاتبة) الطابعة( لاصدار البيانات ثم سحبها
بالرونيو) كنت قبل مغادرتي الى براغ ودخولي معهد الفنون امتهن مهنة
كاتب طابعة كوظيفة باجر يومي في معهد التغذية التابع لوزارة الصحة(في
مقر اللجنة توثقت علاقتي بمجيد مسعود الانسان الوطني النزيه والمهذب في
تعامله مع الجميع.
حين عدت الى العراق نهاية عام 1967 ومروري بمعاناة معاملة التعيين لحوالي
عام كامل انقطعت امامي السبل لمتابعة مكان مجيد مسعود ولكني وخال
النصف الاول علمت انه يعمل في بغداد كمستشار اقتصادي وقد
عزز من معلوماتي ما كان ينشره الراحل الدكتور مجيد مسعود
من دراسات قيمة في مجلة الثقافة الجديدة. في تلك الفترة كان
اليساريون التقدميون يساهمون بدور مهم في الجامعات والدوائر
في ظل اجواء ميثاق العمل الوطني والجبهة الوطنية والقومية.
لكن ربيع الوئام والاستقرار المجتمعي سرعان ما انحدر نحو تصفية
للكوادر العلمية والاكاديمية المؤمنة بنهج يختلف عن نهج وفلسلفة
النظام سيما في الفترة من عام 1976 صعودا فاعدم من اعدم
وسجن من سجن وهرب من استطاع النجاة ويبدو ان الاكاديمي
البارز الدكتور مجيد مسعود كان من ضمن المغادرين للعراق.
من البديهي ان تتلقف الاقطار العربية الكفاءات العراقية وتتيح
لها العمل في جامعاتها ومؤسساتها لذا استطاع مجيد مسعود
ان يحقق ما يصبو اليه من خدمة لصالح المجتمع فعمل خبيرا
لدى العديد من الهيئات العلمية في اقطار عربية منها خبيرا لدى
هيئة تخطيط الدولة في سوريا وعضو في الهيئة التدريسية في
جامعة وهران) الجزائر( وعضو في الهيئة العلمية في المعهد
العربي للتخطيط في دولة الكويت ومستشارا لدى الامانة العامة
لمجلس التخطيط في دولة قطر. ،،، اصدر خال تلك الحقبة عددا
من الكتب المهمة.
ابرزها » التخطيط للتقدم الاقتصادي والاجتماعي « من سلسلة عالم
المعرفة وهو كتاب نوعي يعد مرجعا ومصدرا مهما في مجاله.
كما نشر كتبا تخصصية في مجال الحسابات القومية كقاعدة
معلومات للتخطيط والتمنية وكتاب عن نظام التعاونيات واخر عن نظام حماية
صغار المنتجين والمستهلكين في اقتصاد السوق ونشرت له دراسات وبحوث
اقتصادية في مجات عربية مرموقة.
بعد التغيير في عام 2003 لم يحتضن العراق الاقتصادي الاكاديمي مجيد
مسعود فاضطر لمغادرةبلده وانتهى به المطاف في سوريا حيت توفي عام
.2018

(Visited 11 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *