من انت لتحكم عليّ؟  / نادية الكتبي

من انت لتحكم عليّ؟ / نادية الكتبي

كتبت : نادية الكتبي

في المجتمع كثير من الظواهر السلبية التي تحتاج الى وعي وثقافة ، كما تحتاج الى موقف اجتماعي .
الحكم على الظاهر او المظهر واحدة من السلبيات في المجتمع. بعض البشر يحكم على الاخرين من خلال الشكل اي المظهر ، وهذا الامر يؤذي كلا الطرفين. فكم من شريف حُكم عليه باللاشرف بسبب مظهره؟ وكم من عارف لله ظُلم بسبب شكله ؟ وكم من كريم متعفف حُكم عليه بالغنى وهو فقير؟ وكم من غني مترف حُكم على مظهره بانه فقير و متشرد؟ فهل يُعرف التُّقاة فقط بطول اللحى و الحجاب المحنك ؟ وهل يُعرف الغني فقط بملابسه الباهظة الثمن؟ فقد قيل: لا تأخذن من الامور بظاهرٍ إن الظواهر تخدع الرائينا

الى متى ستبقى العقول محدودة ومتحجرة ونحن في زمن نقرأ ونتعلم ونسافر وشبكة الانترنت مفتوحة على مصراعيها في نشر الكثير من المعلومات. ألا يكفينا ما عرفناه من قصص التاريخ ؟ الا يكفي المتدين و القارئ للكتب السماوية ان يفهم ان الحُكم فقط لله و عليه ان يرى و يسمع و يعاشر قبل ان يحكم على شخص من مظهره؟
الطبيب لا يُحدد ولا يُشخص المرض الا بالاسئلة العديدة للمريض بكل التفاصيل الدقيقة وبعد فحصٍ سريري وربما يطلب عدة تحاليل للمريض كي يستطيع ان يُشخّص حالته. وبعض البشر بعقولهم المحدودة يعتقدون ان لديهم الحِكمة و القدرة على ان يحكموا على شخصٍ من خلال النظر اليه من زاوية هم لا يريدون ان يروه الا فيها .
ليس هذا فحسب انما البعض يصرّ على ذكائه المفرط ليترك دراسة الشخصية والعشرة والوقت والمواقف ليتخذ قرارا بتحقير شخص ما او ترقيته من خلال نظرته الثاقبه _ ثاقبة لكل الاصول والاعراف. فكيف لنا بتحليل هذه الشخصية السطحية من خلال علم النفس وعلم الاجتماع؟ فالعلماء يؤكدون ان الشخصية التي تحكم على الاشخاص بسرعة وتتنمر عليهم هي شخصيات لا تندمج بالمجتمع ولا تستطيع ان تفرق بين الصالح والطالح بل على العكس تأخذ بالكلام وماتراه للوهلة الاولى . فلا تقييم ذاتي لما يقال ولا ما يرى. هذه الشريحة من المجتمع محدودة النظر فلا تستطيع ان تقرأ بين السطور ولا تقدر المواقف و سريعة بقراراتها .لذلك تحتاج هذه الشخصيات للمساعدة والتأهيل النفسي والفكري للتخلص من هذه الخصال .
من هنا تقع المسؤولية على من حول هذه الشخصيات المريضة برفض ما يقولونه بالحكم والتنمر على الآخرين والنقاش معهم لتقييم هذا الحكم. وشرح مضار هذا الحكم على الشخص والأذية التي سيُلحق بها نفسيا واجتماعيا وحتى دينيا. فالحكم الذي اطلقه الشخص المريض قد يضر بسمعة الشخص والمقربين من حوله لزمن طويل..وما لنا بعيوب غيرنا وبأيّ حقٍ ننظر لغيرنا فيقول الامام علي (ع) ،”شر عيوبنا اهتمامنا بعيوب الناس.”
فالموضوع لا يقتصر على حُكم أُطلق من خلال قصيرَ بصيرةٍ على شخص ما، انما ينجرّ ليصبح تنمرا ومأساة اجتماعية مطلقة. فعلينا الانتباه ان لا نكون من هذه الشريحة وعلينا الحذر من هؤلاء الحاكمين في مجتمعاتنا وتوقيفهم عند حدودهم كي لا يستمر الضرر على الشخص الذي يُحْكم عليه. وفي الحقيقة هو علاجٌ للمريض بكفّهِ عن أذى الآخرين وتفشي مرضه بين الجالسين. فهناك من تنتقل لهم العدوى فيأكدون ويثنون على الحاكم بحكمه الظالم.

فمن نحن لنحكم على غيرنا ؟ وإن اردنا ذلك فعلا، فعلينا بالبحث والتقصّي ولوقت طويل ولربما فشلنا. فقد قال امير المؤمنين (ع) ” المرء مخبوء تحت طي لسانه وليس تحت طيلسانه”
ليس من حقنا إطلاق الأحكام والتنمر على الآخرين والأجدى ان ننظر الى عيوبنا ومشاكلنا الشخصية واصلاح أحوالنا قبل التطرق بامور غيرنا التي لا تعنينا. كما قال الامام الشافعي : لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ
فكلك عوراتٌ وللناس السن
وعينك ان أبدت اليك معايباً
فصنها وصل يا عين للناس أعين

(Visited 38 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *