الورقة المختومة
(الجزء الاول)
د. احمد مشتت
حينما سلمني صديقي الكتور سلام عبد الوهاب الورقة المختومة من دائرة تجنيد الرصافةو الممهورة بتوقيع ضابط التجنيد لم اصدق للوهلة الاولى.
العراقي يولد مثل ورقة بيضاء تزدحم فيما بعد بالاختام، ختم الولادة وختم الاعتراف بهعراقيا وختم الجندي مكلف وختم الحرب وختم الحرب ايضا والحرب الاخرى وتلك التيستلي اختام تنتهي به الى مجرد ورقة فية ملف الدولة– السطوة.
احمد سلمان خدم وتسرح من الجيش وهناك تواريخ واختام وصفات رسمية وحتى رائحةلهيئة التجنيد الموقرة تعزز القناعة انها ورقة رسمية وغير مزورة .
سلام كان من الحماسة وهو يسلمني الورقة الموعودة حتى انه كان يتلعثم بالكلام وتفرمنه الجمل المفهومة. اخرج الورقة من حقيبة جلدية اختبأت فيها خطتنا للهرب من جحيمالبلاد في نهايات عام ١٩٩٤.
كان العام ١٩٩٤ من الاعوام القاسية التي طحنت البلاد والعباد. حصار اقتصادي وصلذروته في الاذلال من الشعب حدودا مهينة، سلطة شاخت كثيرا منذ هزيمتها في العام١٩٩١ وظل دستورها الوحيد :القمع.
الكل كان يريد الفرار من قبضة وطن لايرحم.
وقائمة الممنوعين من السفر طويلة
وكان الاطباء على رأس هذه القائمة.
للحصول على جواز السفر في العراق كان لابد من ان تقر هيئة التجنيد ان الشخصالمعني قد اكمل خدمة الجيش الالزامية وخاض في وحل كل الحروب.
وكان قرارنا ان نحصل على ورقة رسمية غير مزورة لتجنب كارثة اكتشاف المخطط الذي قديطيح بهيبة الدولة.
سلام أجل موعد رحيله بعد ان حصل على جواز سفره من اجلي.
جائني يومها الى غرفتي في دار سكن الاطباء بمستشفى الكاظمية واراني الجواز.
ساسافر بعد ثلاثة ايام قال باصرار وكأن بطاقة السفر في جيبه.
لن تسافر قلت له.
نظر الي مستغربا متسائلا بعينيه عن قصدي بهذه الجملة الناهية عن السفر.
اردفت موضحاً:
سلام لن تسافر لوحدك، سنسافر سوية.
لم ادع له فرصة للاختيار.
ستساعدني في الحصول على ورقة التجنيد والجواز. ان ذهبت وتركتني سأهرم هناوحيداً.
لم يجب سلام. وضع جوازه الجديد في جيب سترته
ساسال صديقي خليل ، سافر الشهر الماضي يمكن يعرف احد بالتجنيد.
بعد اسبوع من البحث والتقصي توصل سلام بمساعدة صدقه خليل للوصول الى طبيبفي دائرة التجنيد واسمه عادل يستطيع الحصول على ورقة التسريح مقابل حزمة ضخمةمن الدنانير.
التقينا بهذا الطبيب انا وسلام في مركز بغداد الجديدة في زحمة الاسواق لمدة عشرة دقائقتلفت فيها يمينا ويسارا اكثر مما تحدث. كان نحيفا وطويلا وسرد لنا ببضع كلمات فقطالسلسلة التي ستمر بها الورقة المهمة.
وانتهى اللقاء بتأكيده لنا ان الموضوع محسوم لحظة استولت يديه على حقيبة الدنانيروضاع في زحام السوق.
لم تكن هذه الورقة هي المنحة الوحيدة التي جاد بها علينا عادل. اعطانا رقم هاتف جندييعمل في دائرة الجوازات للمساعدة في اتمام المعاملة النهائية للحصول على صك الحريةالموعود.
بعد يوم واحد فقط اتصلنا بجندي الجوازات جلال ودعاني الى شقته في حي الغدير لرسمالتفاصل النهائية. حين دخلت شقة جلال الواسعة و المؤثثة بطريقة تشي بالثراء والبذخادركت ان حقيبة الدنانير التي اتيت بها الى رسول الحرية هذا سبقتها حقائبُ كثيرة. كانجلال يتحدث وكأنه رئيس لجنة حقوق الانسان في بلد ضاعت فيه الحقوق.
( انا اساعد الناس فقط لمجرد المساعدة وليس من اجل المال) صرح بهذا بعد ان انتهى منعد الدنانير واكمل خطبة التحرير المقدسة
( دكتور احمد انت راح تتذكرني بعد عشرين سنة من تكون بالخارج وراح تگول جلال لازميسووله تمثال في العراق).
وبدأ يرسم لي تفاصيل خطة الانقاذ:
عادل شرح لي قضيتك. باچر تجي للجوازات وتبدي معاملة الجواز . اني راح اكون باولشباك تنطيني المعاملة اختمها واحولك للقسم الامني. اكتب مهنتك رجل اعمال مو طبيبوتعال كاشخ قاط ورباط.
كان جلال مثل مخرج سينمائي يضع اللمسات الاخيرة والمهمة بدقة متناهية على المشهد.
ولكنه سيتركني وحيدا في اليوم التالي امام ضابط الامن في لحظة حرجة في دائرةالجوازات المخيفة.