مواسم الفرح في دولة الحرمين( السعودية)
وسام رشيد
ضجت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في الاسبوع الماضي بمهرجان( موسم الرياض) الخاص بالاغنية في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، وحضّر الموسم مجموعة كبيرة ومهمة من المطربين والمغنين العرب في مقدمتهم العراقي كاظم الساهر، الذي أخذ مساحة مميزة من التغطية والتتبع الاعلامي، والذي اضفى تميزاً وضخامة للموسم الأول الذي تنظمه السعودية، وعدد آخر من المطربين أمثال هاني شاكر ومحمد عبدة والعراقي الأصل ماجد المهندس.
تشريع القوانين هنا في السعودية ينضبط بمحددات قاسية، وذات خصوصية كبيرة، اذ ان النظام السياسي الحاكم يستمد شرعيته من تعهدات خدمة الاسلام والمسلمين، حيث يسمى الملك بخادم الحرمين الشريفين، بمعنى اخر انه يلتزم بشرائع الدين الاسلامي الخاصة بالتعاملات المدنية اليومية على كامل تراب المملكة، وتشمل الالتزامات فرضاً لقيود محددة على المجتمع عامة والافراد في الامان العامة وحتى الخاصة، تتعلق بالحشمة وتحريم الأعم الاغلب من الممارسات الترفيهية التي نشاهدها في دول لا تتبنى أيدلوجيا أو فسلفة حكم دينية متشددة كالسعودية.
الخصوصية ميزت السعودية عن باقي دول المنطقة، لكنها لم تمنع من اقامة موسم للفرح، ينشر فيه الغناء، ويتجمع به المواطنون والمقيمون والزوار من كل انحاء العالم، لمشاهدة اكبر تجمع يحدث في المملكة، وتُسخر له كل امكانات المملكة، وبرعاية مباشرة من (خادم الحرمين الشريفين).
إظهار الوجه المدني للسعودية، المحافظة على شكلاً متناسقاً مع واقع العالم المتقدم، الذي لا يعير اهمية للقيود المجتمعية، ويحرص على الاهتمام بالفرد، وصياغته وتوجيهه بما يتلائم مع توجهات ومستلزمات ومعايير المجتمع المدني حول العالم، وعلى ما هو ظاهر في سياسات المملكة، فانها قد استوعبت التجربة، وقررت المضي في محاكات مدروسة مع ما يتوفر من مساحات، وثغرات توفرها الشريعة، أو يختلقها المجتمع، للتماشي مع ما وصل اليه العالم من مفاهيم جديدة، وسلوكيات مجتمعية مفروضة على النظام الحاكم مهما كانت سطوته، فهي سيل جارف لا يستطيع الوقوف أمامه الا من قرر تدمير بلاده، فالعولمة الاقتصادية والالكترونية، والانفتاح الكبير، وتحويل العالم لقرية صغيرة مكشوفة تتبادل فيها الثقافات، وتتصارع الافكار، والمشاريع، وتتسابق فيها الاجندات، والحركات، وتتوسع فيها وتضيق الرغبات، لا بُد في ظل هكذا اعتبارات ان تكون مسؤولية الحاكم هو التغلغل داخل هذا النظام العالمي المتجدد، وتوفير اطار مفتوح للشعبه، يتواجد فيه وينطلق بتوازن مع ما يمكن ان تصل اليه الشعوب الاخرى.
مشاهد الفرح لدى الشعوب اصبحت شرطاً لاحترام العالم، وثقته، وبالتالي جدولة التعامل معه على قدر ما متوفر من حريات عامة وخاصة، خاصة في مجالات رفع القيود عن الممارسات العمومية المرغوبة، وتعزيز حريات التعبير، منسجمة مع رؤية شعبية جامعة تحترم خصوصياتها، وتحافظ على تراثها، ومسؤولياتها، وهذا بالضبط ما تحاول المملكة السعودية تصديره للعالم.
نطالب بتجربة سعودية في العراق:
الاعلام الرقمي وفّر على المتابعين والباحثين والصحفيين جهداً عظيماً لمعرفة رغبات الناس وتطلعاتهم في العراق، فهم توّاقون لكل تجمع يقوم على محاولة رسم الفرح على وجوههم العابسة المتعبة، ويتفاعلون بشكل استثنائي ملفت للنظر مع مناسبات بعيدة عن السائد والمتوارث من ثقافات المجتمع الموروثة، كالاحتفال بيوم رإس السنة الميلادية، أو عيد الحب.
التعصب والحرمان وفرض الارادات السياسية المقترنة بفهم احادي على المجتمع، قاد الى مرحلة من ردود الفعل في رسم قناعات غير حقيقية، او وهمية تتعارض مع الموروث الشعبي، والديني المعقد، والمتباين بين محافظات العراق المختلفة، لذا فاننا في العراق لا نتفق على موسم حزن يوحدنا جميعاً، ولن نتجمع موحدين بموسم فرح الا كانت هناك حملات شديدة بعضها قد يأخذ شكلاً للعنف والقوة.
ضيّاع البوصلة وسوء التنظيم في ادارة شؤون المجتمع، وفقدان الثقة بين طبقات المجتمع، وقدواته، ادت لبروز تناقضات هائلة في متبنيات المجتمع، وفجوة كبيرة بين رغباته والواقع المفروض، وفقد مع ذلك قدرته على تنظيم حياة الناس بين مواسم الحزن والفرح، بما يلبي حاجات ومتطلبات المجتمع، ويحفظ تأريخيه وتراثه واحترامه، دون ردود فعل متعصبة، او فرض ارادات وادلجات مخالفة.