رأي مظفر بشعراء / محمد السيد محسن

رأي مظفر بشعراء / محمد السيد محسن

مظفريات

38

يكتبها : محمد السيد محسن

—–

ربما تكون هذه الحلقة من مظفريات صادمة بعض الشيء , او مفاجئة للبعض , بيد اننياليت على نفسي ان اكتب ما سمعت , وما ناقشت به مظفر النواب , وكنت احيانا مدافعا , مختلفا مع وجهة نظر النواب , واحيانا اقتنع لقدرة مظفر على اقناعي بوجهة نظره.

في يوم من الايام اشتهر في دمشق كاسيت يضم قصائد لكاظم اسماعيل الكاطع , وكان فيهقصائد مشهورة له , حديثة لم اكن سمعتها , مثل : ملفتة للانتباه , بس انت كلبك لعب , ورثاء ابنه المتوفى في قصيةاجا العام الدراسي” .

اقتنيت نسخة من الكاسيت واعطيتها لمظفر كي يستمع اليها حين يعودالى داره , وبعدهاافتح نقاشا حول مضمون القصائد , واستمع الى رأيه بكاظم اسماعيل الكاطع . فكان ليما أردت , حيث التقينا صباحا , وفجأة قال لي : هو هذا صاحبك ؟؟

وكان يقصد كاظم اسماعيل الكاطع , قلت : ما به ؟ .. قال انه ليس بشاعر , انه نحات , يصطنع الشعر , ويرسم قصائده على الحديد , في اشارة الى ان الرسام يجب ان يرسمعلى القماش كي تستند الالوان الى قاعدتها .

اكمل مظفر وجهة نظره بكاظم اسماعيل الكاطع , وانا أصغي له دون ان اتحدث , فقال : الشعر ان تحس الصورة وتعبر عنها بمثل ما تحس , اما اذا بدأت تنحت الصورة لإستدراجالمستمع , سيصبح احساسك زائفا , قد يتلقاه الاخر لكنه سرعان ما سيتجرد عنه , لأنك لاتستطيع ان تكذب على السامع بالشعر.

اما المسألة الثانية , فقد اعترض مظفر على جرأة كاظم اسماعيل الكاطع بإلقاء قصائده , حيث انه وحسب رأيهمظفر النوابضيع كل جهده في القصيدة , لأن القاء القصيدةجزء من قوتها , ويجب على الشاعر الذي لا يمتلك ملكة الإلقاء ان يترك قصائده للقراءة فقط.

وهذه قضية يكاد يتفق عليها كثيرون على ان كاظم اسماعيل الكاطع لا يجيد الالقاء .

هنا تذكرت ما قرأته عن اصل الشعر , وهو الإنشاد , في اشارة الى ان قراءة القصيدة جزءمكمل لقوة القصيدة وعمود مهم تستند اليه القصيدة , لذا جاء في المأثور : أنشد فلان , فياشارة الى بدء شاعر بإلقاء قصيدته.

ويقولطه باقرفي مقدمة ترجمته لملحمة كلكامش : ان اصل الشعر هو الغناء وكان يعبرعن الغناء بالانشاد , ومنه جاءتاناشيد سليمانفي الكتاب القديم , ويضيف طه باقر اناصل كلمة الغناء في اللغات القديمة هوشيرومنه نحلت كلمةشعرواستخدمت فياللغة العربية.

ويختلف كاظم اسماعيل الكاطع كثيرا عن عريان السيد خلف في الالقاء , حيث يتمكنالثاني بإلقاء ساحر , بيد ان مظفر النواب له رأي في شعر عريان حيث قال : انه بقي اسيرالمفردة المحلية , وبقي يركز على الحكمة اكثر من الشعر.

وحين راجعت قصائد عريان وجدتها تتضمن الحكمة المكتوبة بصيغة شعرية , وهذا عين مااشار اليه ابو العلاء المعري حين قال : أبو تمام والمتنبي حكيمان , والشاعر البحتري.

هذا ما لفت انتباهي ايضا الى قصائد مظفر , حيث وجدتها تخلو من الحكمة , وتمتازبصور شعرية فقط , لأنها لاتنتمي الى الحكمة وانما تنتمي الى جو الشعر الخاصبالشاعر , فالشاعر يستمتع في كتابة قصيدته , ويكتبها لنفسه قبل ان يكتبها للاخرين , وهذا لعمري افضل انواع الشعر , وكان مظفر دائما يقول : انا اكتب شعر حتى أتونس. فياللهجة الدارجة : استمتع.

وربما يقصد الكتابة في القصائد الشعبية اكثر من القصائد الفصحى حيث ان مظفر فيقصائده الشعبية هو شاعر يكتب للقصيدة وجمالياتها المحببة دون الخوض في تفاصيلحكمية او سياسية ما عدا بعض القصائد التي خص بها احداثا سياسية, بيد انه فيقصائده الفصحى كان يعد نفسه ضمير امة ويكتب مناشير نضالية.

فمن هو الشاعر الذي يعجبك يا أبا عادل؟

اجاب : ناظم السماوي , وعلي الشباني , هما من يكتبان الشعر ولا يعتنيان بتسويقالحكمة من خلال الشعر , ثم انشد :

يا زلف يتغاوه وي الليل باطراف الكصيبة

هاك روحي الماغفت .. والشوك ما مره حبيبه

هاك عمري الضاك حنضل وانت برحي

يا حريمة الشوك مر بوحشه تايه

ياعضد يلي شتالك عايش بفي النخل

ياثلج وفراك طبعك

ياطبع كلك زعل

وانه ووعودك صفيت بلايه وعدك

وانه دمعات الحزن

شاتلهه ظليت على خدك

وانه سجة درب سواني زماني

يا حريمة

—-

كان ابو عادل يتوقف كثيرا عند : “انه سجة درب سواني زماني  , ويقول عنها انها اجملما كتب في الشعر الشعبي العراقي .

المتابع لقصائد مظفر الشعبية يرى انها تتضمن مساقط شعرية تستهوي قارئها , لأنه لميكتبها من أجل تسويقها , ولم ينحتها كي تلائم ذوق المستمع , بل كتب ببساطة ذائقته , حيث يستخدم مظفر نظام الاحالة معتمدا على التشبيه , ويفتح باب التأويل للقارئ , فلايعطيه الصورة واضحة , وحين سألته عن :

سألوني عنك شال منك غيض بستان الورد

والنرجس الرايج سكر

قلت له : الوصف فيه اطناب وكان من الممكن اختصاره بوصف جمال الحبيب بإجاعة اللفظوإفاضة المعنى ؟ .. قال : قيمة الشعر ان تعطي مجالا لقارئه ان يستمتع بتأويله , فلا يجبان تستخف بعقل المستمع او القارئ وتعطيه وصفا جاهزا بمثابة البديهة التي لا تحتملالضد.

وهنا يشير الى ان القصيدة يجب ان لا تتضمن الحكمة لأن الحكمة لا تتحمل ضدها.

(Visited 53 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *