شفــــاهٌ مقفلة

شفــــاهٌ مقفلة

  

*محمد رشيد

لا أدري كيف وجدتني واقفاً في نفس الزقاق الذي راح يزورني بين الحين والآخر في عصور متفاوتة … بصعقة منحت ناظريّ حرية التحليق في هذا  الفضاء اللامتناهي وغمامة سوداء تربعت على صدري مما زرعت خيفة مميتة بين شهيقي وزفيري اللذان صحبهما صوتا مشروخا..…….أمتد نظري نحو ذلك الباب العملاق والنسوة والرجال واقفين طابوراً طويلاً يتطلعون إليه بمرارة لعدم استجابته لمطالبهم ، بدأت قدميّ تلتهم تلك المسافة للوصول ..….. خطوة راح الطابور ينفتح .……... خطوة ثانية أنسل منه طابور صغير ……… خطوة أخرى راح يحبو ..…………. تلتها خطوة بدء يكبر …….. خطوتان بدءا يتناسلان .….... أخرتان أصبحن طوابير عديدة … خطوة أخيرة أبُتلعت المسافة بالكامل ….… أصبحت واقفاً بالقرب منه.….... تسمر نظري نحوه رافعاً رأسي إلى أعلاه لضخامته .…... شاهدت نهوداً تدلت من حِلماتها …….. شفاها مطبقة بأقفال صدئة .…….. ألسنة ثبتت بمسامير على صليب ..…… طيور زوجوها الرحيل .……... عناكب تسرح وتمرح وشراك خيوطها اللزجة توزعت هنا .….. وهناك……….. ترتقب وليمة أخرى .…..أرهفت أذني لسماع لغط من الخلف….لغط شابه استياء صدر من أفواههم المزدحمة ليستقر فيها عنوة .….. بخطى واثبة حاولت فتح الباب بقوة…….لم أستطع .……. حاولت ثانية فلم أفلح …….مرة أخرى حتى انزلقت قطرات ساخنة من جبيني لتشمل عيني بنصيب من الحرقة ( تذكرت تلك العين الخضراء حينما يصطدم شعاعها بجسدي تقوم بفتح ذراعين شفافتين مؤطرتين بلون فضي ) فتحته على مصراعيه وزعيقه راح يطرد ما تبقى من لغطهم القابع في أذني ليحل محله .….. بعد عناء مرير أسقطته أرضاً .….. دلفت البيت حيث الظلام يجثو على ركبتيه . روائح كريهة اختلطت برائحة الدم الذي راح يصب بغزارة من الحنفيات … أصوات ( فحيح … عواء … نعيق … هديل) تصـطدم ببعضها مع الجدران لتنبعث من هذا الدهليز الدبق ، واصلت سيري حتى شاهدتها ممدة على الأرض ورأسها يحجب فوهة تنور مشتعل …جمرات من الفحم الحمر موزعة لتطرز ( العصَّابة ) التي إعتمرتها ………. هالات من الدمل المتقيحة حول عينها اليمنى … غصن من الحنظل تدلت منه عشرات الكريات تبرعم وهو يفقأ عينها الأخرى .…..زغب أبيضاً وأخضر معششا على محياها كأنه عفن خبز مما صادر ملامحها دون تصريح جمركي .. أخاديد موزعة على جسدها الرخامي يسكنها أغراب من القراد والعقارب بلا أقامة أو تأشيرة دخول .. براحتي الاثنتين وبكفين من نور تحسستهما توا بالقرب مني كسحنا هذا الزغب الذي هيمن عليها دهوراً وهو يحجب عنها ضوء لشمس .    اقتلعت الغصن من جذوره حيث راح يقطر دماً أسوداً … أزحت رأسها بعيداً عن التنور حتى راحت تشرق بملامحها العربية ، أذهلني بريق عينيها وهو يصعق الغمامة السوداء بدواخلي التي بدأت تنقشع رويداً رويدا إلى أن استحالت دموعاً ساخنة تتلألأ من عيني لتنير الدرب ….وأنا أودع  ذلك البيت والزقاق شاهدت أرغفة الخبز والقرنفل تنهمر على الطوابير الواقفة كالمطر وما هي إلا دقائق حتى غادر الجميع كل لهدفه .

(Visited 8 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *