عبد الحميد الصائح
منصب رئيس الجمهورية في العراق منصب مهم وهو ليس فخرياً كما تروج ذلك الاطراف التي تريد تبرير تنازله عنه او تلك التي تحصد مكاسبه وسطوته وصلاحياته في منع او تمرير معظم القرارات المصيرية المتصلة بالسياسة والامن ، فضلا عن الدور الرمزي للرئيس عربياً ودولياً فان صلاحياته التي حددها الدستور ليست شرفية كلها ، بل إن مجرد مصادقته على الاتفاقيات الدولية وعلى أحكام الإعدام واقتراح التعديلات الدستورية وهامش الاستثناء والعفو والدعوة الى إقالة رئيس الوزراء والترشيح والتكليف واقتراح القوانين بالتشاور مع مجلس الوزراء وغير ذلك الكثير من الصلاحيات التي تبدو شكلية لكنها مفصل أساسي من اية اجراءات سياسية وهو ما اصطدمت به الاكثرية الشيعية حين أخذت تقدم المرشح تلو الآخر كبديل لعبد المهدي المستقيل دون جدوى ، حيث اصطدمت تلك المحاولات كلها بصخرة رئيس الجمهورية الذي أدار الموقف بحنكة ودهاء وفرض مرشحا منهم عليهم رآه مناسبا للمرحلة .
فلنتخيل معا أن هذا المنصب وهذه الصلاحيات مدعومة بأغلبية برلمانية مع تعديلات دستورية حول صلاحية المناصب الأخرى ، ماذا يحدث ؟ كيف ستكون قوة هذا المنصب الكبير الاساسي دوليا ومحليا ؟!
إن من المفارقات العراقية التي جعلت الدولة تقف على ساق واحدة ، هو التكلس المكوناتي ، الذي جعل البلاد في حالة شلل نصفي ، وحولتها من بلد الحراك السياسي المتغير وفاعلية الاحزاب الوطنية الى دول ثلاث لمكونات ثلاثة محشوة بالمناصب المساندة .. دولة كردية راسها منصب رئيس الجمهورية ، ودولة سنية رأسها منصب رئيس البرلمان ودولة شيعية رأسها منصب رئيس مجلس الوزراء ، وهو المنصب الوحيد المقيّد بآراء وتصويت وزراء المكونات جميعها .ولذلك كان حال اي رئيس وزراء حكم العراق بعد 2003 شكواه بانه اراد ان يعمل ومتعه الشركاء عن تحقيق ذلك !.
عند هذه الحالة الشاذة التي لا مثيل لها سوى في النظام السياسي اللبناني الذي يمكن تفسيره بوضوح بين رمزية دولة مسيحية بحكم منصب رئاستها بوصفها الدولة المسيحية الوحيدة في البلاد العربية والتجاذب السني الشيعي بين رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة وهو تكلس مكوناتي ايضا جعل البلاد مشلولة على النحو الذي نراه . وصودر حق اللبناني الحر في ان يكون رئيسا لاحدى الرئاسات بغض النظر عن خلفيته الطائفية .
لكن العراق مختلف هنا في انتاج رمزيات كهذه .. فالعراق ليس دولة دولة كردية ولا شيعية او سنية وما حدث من تسلم مواطن عراقي كردي رئاسة الجمهورية لقي ترحاباً وطنياً لمنح الكرد رمزية عالية في حق المواطنة بوصفها شركاء اساسيين في الوطن . لكن ثباته على هذا النحو جرده من وطنيته العامة بل حتى من كرديته العامة كونه حصة ( حزب كردي ) وليس حصة مواطنين كرد . وهي حصة ( عرفية غير دستورية فرضها التوافق والتواطؤ)
فخسر الكرد والسنة والشيعة فاعلية تنوع استلام مناصب البلاد العليا جميعا وظلت الاحزاب تتنافس داخل مكوناتها تختلف اختلافات بينية وتتفق حينَ تكون عيونها شاخصة أمام مصالح فئوية في بغداد بل انتقل الأمر من التفكير السياسي بالبلاد ومصيرها وأعمارها وتنمية .
ربما تكرر هذا الكلام كثيرا دون جدوى لان هذا النظام الذي استقر على هذا الشلل هو السبب الرئيس الذي جعل العراق يقف على ساق واحدة لايستكيع النهوض ليكون قويا كما ينبغي وهو ليس متداعيا بالطبع . دون مراجعة دستورية شجاعة والاعتماد على ماتفرزه الانتخابات من نتائج والتحرر من المحاصصة والاعراف السياسية الجامدة تحررا يجعل لكل مواطن عراقي مهما كان انتماؤه او خلفيته القومية والمذهبية الحق في ان يكون رئيسا لاحدى رئاسات البلاد يحكمه القانون ونظام المؤسسات الرصينة كما هو معمول في الدول ( الطبيعية ).