بين أراء ميشل فوكو وعبدالرحمن الكواكبي / نجاح هادي كبه

بين أراء ميشل فوكو وعبدالرحمن الكواكبي / نجاح هادي كبه

أ.د. نجاح هادي كبة / بغداد

عالج ميشل فوكو (1926-1984) السلطة وقرنها بالجالينولوجيا وهشم مركزية السلطةمن حيث وظيفتها ومصدرها ومقصدها وحدودها الشاملة التي لا تخص الحكام او الافرادوحدهم فهي توجد في كل زمان ومكان ويمارسها الكل وتخترق كافة المجالات المعرفيةوالعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية وتتوغل افقياوعموديا بخطوط متشعبة في التاريخ ولها تأثير كبير على المعرفة والحياة بكل تفاصيلها, اما الجالينولوجيا فهي القيم والمعايير الملازمة للسلطة فالسلطة على رأي فوكو هي كل ( صور التموضع التي سجنه بين حدودها الخطاب الوضعي باسم علم هو اصلا نتاجتاريخ حول زورا الى مقياس موضوعي لكل تاريخ وباسم معايير متغيرة اقيمت اساساومرجعا لكل تغيير ) ” عن الانترنيتاما عبدالرحمن الكواكبي (1855-1902) فيستعملمصطلح الاستبداد وهو بحسب المعجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة يعرف كلمةاستبد ( حكم بأمره تصرف بصورة مطلقة غير قابل للاعتراض , تعسف تسلط , تحكم , اماالموسوعة السياسية فتورد تعريف استبداد : ( حكم او نظام يستقل بالسلطة فيه فرد اومجموعة من الافراد دون خضوع لقانون او قاعدة ودون النظر الى رأس المحكومين ) وتضيف الموسوعة تعريفا لمحمد عبدة للكلمة نفسهاالمستبد عرفا من يفعل مايشاء غيرمسؤول وبحكم مايقضي هواه ” “عن الانترنيتومن خلال تحديد فوكو للسلطة بأنهاعامة تشمل كل اطر التموضع للافراد والمجتمعات من خلال اساليب عديدة كالمعرفة والعلموالسياسة والاقتصاد فان الكواكبي ربط الاستبداد بحاكم او شخص مستبد يستعبدالعباد لكن اراء فوكو تقترب من أراء الكواكبي الذي يقول : ( والذي يحمل الناس في ظلالاستبداد وعلى التخلق بهذه الاخلاق انما هو فقدهم للارادة واسير الاستبداد كالحيوانالمملوك العنان يقاد حيث يراد ويعيش كالريش يهب حيث يهب الريح لا نظام ولا ارادة ) ” د.نزيه كبارة , عبدالرحمن الكواكبي حياته وعصره وأراؤه , جروس بريس , بلا , ص:101 ” وتقترب اَراء الكواكبي من اَراء فوكو حين يرى ان الاستبداد تسلط ( سلطة ) على شخصيةالفرد والمجتمع فالكواكبي يثور على الاخلاق الفاسدة الرعناء التي تتولد عند الرعية فيظل الحكم الاستبدادي فيقدح فيها ويطالب قومه بالثورة عليها لانها لا تتفق وكرامةالانسان وحريته , يقول : ( نحن ألفنا الادب مع الكبير ولو داس رقابنا . ألفنا الثبات ثباتالأوتاد تحت المطارق , ألفنا الانقياد ولو الى المهالك , ألفنا ان نعتبر التصاغر ادبا , والتذلللطفا , والتملق فصاحة , واللكنة رزانة , وترك الحقوق سماحة , وقبول الاهانة تواضعا , والرضا بالظلم طاعة ….) ” د. نزيه كبارة, المصدر السابق ,ص:100″ والنتيجة كما يراهافوكو ( ان ممارسة الحكم هي جزء من ممارسات متعددة , رب العائلة في بيته , المسؤول عنالدير في ديره , المربي ازاء أطفاله , مما يجعل منه نمطا او كيفية مثولية , وهو ما يتعارضجذريا مع الخصوصية المتعالية لأمير ميكيافيل ….) ” محمد ازويته , ميشل فوكو وقضاياالسجون , أفريقيا الشرقالمغرب , 2015م , ص:46″ وتقترب اَراء الكواكبي اكثر من اَراءفوكو حين يكون الاستبداد في راَيه سلطة وتسلط على الفرد من دون ان يعي ذلك , يقول , نزيه كبارة : ( وهو اذ يثور على الاستبداد ( يقصد الكواكبي ) فلأنه يعلم مايفعله فيأخلاق الناس فالاستبداد يقوم على قلب الحقائق في الاذهان ويرغم الاخيار من الناسعلى الفة الرياء , والنفاق ولبس السيئتان ) ” عبدالرحمن الكواكبي , حياته وعصره واَراؤه, م.ن , ص:101″ ويعالج ذلك عن طريق التربية ( ويصدر الكواكبي عن مفهوم حديث للتربيةعندما يقرر انها علم وعمل وانها تعتمد على الاقناع والاقناع الذاتي لا على الترغيبوالترهيب , وقد اجمع علماء السياسة والاخلاق والتربية على ان الاقناع خير من الترغيبفضلا عن الترهيب ) . ” د. نزيه كبارة , م.ن, ص101″ اما فوكو فيرى العلاج من خلال المعرفةلكن المعرفة في رأيه مكبلة بشروط الاكراه والمنع فيقول 🙁 لكن حين ندقق النظر نجدها لاتنقلت من الرقابة في الكثير من الاحيان الى درجة يكون فيها صاحبها خاضع لنفسالضغوط التي يخضع لها الشخص المنحرف , وبهذا نجد المعرفة تمارس عملها ضمن زخمكبير من الشروط التي تحيط بها وتعمل على توجيهها او الزامها الزاما يصل الى حدالاكراه ) ” جيجيكة ابراهيمي حفريات الاكراه في فلسفة ميشل فوكو , دار الامانالرباط , ط1, 2011م ص:125″ ولابد من الاشارة الى ان كلا من فوكو وعبدالرحمن الكواكبي قدعالجا مشكلات اجتماعية وثقافية وسياسية واحدة ومن هنا يأتي التقارب او التباعد بينهذين المفكرين .                                                                                

(Visited 12 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *