عمود ( قطرة حبر )
كتب رياض الفرطوسي
في هذه المتاهة التي نعيشها والتي اختلطت فيها الاوراق‘ والمشاهد والاستعراضاتوالعقائد وضاعت حدود الواقع مع حدود مسرح العري السياسي. معظم القوى السياسيةتخوض عروض من المشاجرات والفوضى‘ هذا في النهار اما في الليل فأنهم يتعانقونويأكلون ويتسامرون‘ ويخططون لتوزيع المغانم والمناصب والادوار‘ يسخرون من الناسوالعالم. شخصيات نشأت في عتمة من الزمن وهي تعاني الخوف والفقر والقلق. بعضهميعاني من صراعات نفسية حادة. والبعض الاخر يعاني من الشعور بالنقص. منهم منخرج من اسطبل كمروض للخيول او بائع سجائر. وهناك من خرج من دكان لبيع الهواتفالمستعملة. قسم اخر كان يمتهن بيع الخضروات ( ولا فرق لديه بين بيع المبادىء او العقائداو الوطن او الاوهام او بيع الخضروات ). هو على استعداد لخيانة زوجته ومفاهيمهوافكاره‘ لكنه في المساء ينشر تغريدات وحكم ومواعظ اخلاقية فارغة‘ تحض على الفضيلةوالصدق والامانة. اخرون خرجوا من حانات لندن وعلب الليل والقمار. يوجد منهماشخاص حاولوا الخروج من القمقم بحثا عن المارد الذي لم يهشم الزجاجة وبقى عالقا فيعنقها. بعضهم خرج من دروب فكرية متناقضة وعاش فرضية النضال الاشتراكي مرةوالقومي مرة اخرى وانتهى به المطاف اسلاميا. اما من وجد نفسه امام الاحداث اوفيوسطها وفق ظروف لم يكن يحلم ان يكون طرفا فيها فهذا يعيش نرجسية سياسية ومزاجيةمتقلبة. ( مره شمالي الهوى ومره الهوى جنوبي )‘ الحياة عنده عبارة عن اما اتباع اوخصوم وليس لديه مساحات رمادية بل فكرته اخضاع الجميع الى قناعاته لا يؤمنبالحلول الوسط ولا التسويات بل اما كل شي او لا شي. نفوذه مستمد من تيار يصفه هوبالجهلة. معظم هؤلاء خرجوا من سرديات التزوير والتناقض والمرويات المزيفة‘ عن النضالوالكفاح والتغيير والاصلاح والتضحية. بالامس القريب كانوا يمارسون الاقصاء والنبذوالتسقيط‘ مع بعضهم البعض وفجأة وجدوا انفسهم امام قصور وحدائق واتباع وسياراتمصفحة ومناصب وخيول وكلاب للحراسة واحفاد وكراسي ونساء يعيشون حياة الاباطرة‘ امتيازات ومال وتجارة وبذخ واعلام. اين اصبح مصير المبادىء والعقائد والنضال مناجل الفقراء. اين هي العدالة الاجتماعية‘ اين هي الدولة الحضارية التي كانوا ينادون بها‘ اين هي السلطة الحكيمة والرشيدة‘ اين ذهبت كل تلكم الشعارات والخطابات الرنانة‘ اينالتجديد اين الاصلاح‘ اين هو الدين واحكامه من الفساد واللصوصية‘ من اليتامىوالارامل ‘ من الحفاة والجياع. اين اصبح مصير المجتمع الذي تحول الى ضحية تذبح كليوم بطريقة معينة. اين هو الشعب الذي نريد ان نحتكم اليه‘ بعد ان اصبحنا شعوباوقبائل ومجتمعات وتشظى كل شي‘ الشارع والانسان ‘ والمؤسسات والجماعاتوالاحزاب‘ اين هو النظام واين هو القانون والجميع يتحالفون من اجل النهب والسلب. بعدان تلاشت صورة الحزب الثوري المنقذ. اين ذهب المناضل الذي كان يدعو للمساواة وحفظالثروة‘ وانتهى به المطاف مصرفيا او صاحب شركة او مؤسسة كبرى. اين هي المدرسةالسياسية التي يفترض ان تخرج مفكرون ومثقفون‘ وباحثون ومحللون وكتاب. اصبحتالسياسة لا تخرج لنا الا لصوص ومعقدين نفسيا مكبلين بالعقد. حتى انتهى بنا المطافامام مسرح يتضمن كل انواع العروض‘ بما في ذلك الدخول للبرلمان بملابس ممزقة اوبقطعة قماش بيضاء ككفن. اوالدخول للبرلمان ب ( تك تك ) والخروج منه ( بجكساره ) اومصفحة. ما هو المشروع الذي قدمه هؤلاء لحد الان. ما هو التاريخ الجديد الذي رسموه اوخططوا له. ما هي البدائل الجدية التي وضعوها من اجل حماية النظام والمجتمع. مفوضية اللاجئين تقول ان الكثير من العراقيين يقفون طوابير امام مكاتبها بأنتظارالحصول على حماية انسانية. ناهيك عن من انتهوا ضحايا في قوارب الموت. هل توقفالساسة مليا امام كل هذه الاسئلة والتحديات. لكن ( لقد اسمعت لو ناديت حيا )‘ لا فائدةمن ان يسمعوا او يعوا او يستفادوا‘ من تجارب حياة الحكام الذين غادروا هذه الحياةوكيف اصبحت قبور بعضهم مباول عامة. ليس امام المجتمع سوى ان يبحث عن وسائلاخرى للتغيير‘ في مقدمتها المراجعة الذاتية وتطوير النفس‘ والخروج من القوالبالجاهزة والمألوفة‘ بمعنى تطوير القناعات والافكار والمعايير والمحافظة عليها. والافستكون النهاية نوع من الانتحار الجماعي.