د. احمد مشتت
طرق عنيف على الباب.
( يمه اجو)
قالت امي والذعر قد تسلل من يديها الى سماءٍ بعيدة برجاء الرحمة وادعية متقطعة.
ابي العليل لم يستطع ان ينهض حتى لاستقبال موفدي ذاكرة الخوف الذين اخترقوا حديدالباب بنظراتهم المستفزة و بدأ الاستجواب عبر أثيرٍ هش.
فتحت امي الباب اخيرا بعد ان قادت جسدها الذي اوجعته نكبات السنين ورجاء الرحمة لميتوقف من عينين تقرأُ ملامح القادمين.
دخل رفاق الاستجواب متأبطين سجلات سميكة
بكروش نافرة وشوارب صادرت ملامح الوجوه ، شوارب الرجولة الضائعة.
قطعا المسافة من مدخل البيت الى الغرفة التي كان يرقد فيها ابي بخطوة واحدة.
اوصلا رسالة السلطة الواضحة.
( اين ابنائك– نريدهم. لازم تدلينا عليهم– ناخذك انت بدلهم– متآمرين على الثورة)
كان السؤال– التهديد عن اشقائي الذين غادروا العراق قسرا هرباً من الاعتقالات العشوائيةالتي رافقت بداية عام ١٩٨٠ حيث بدأ الظلام يصادر الحياة في بلادٍ لم تهدأ ولم تهنأ.
مازلت اسمع طرقات الرفاق على بابنا حتى الآن.
ذاكرة الخوف لا تصدأ ولا تستبدل ما تخفيه على رفوفها.
لا شئ من محتويات ذاكرة الخوف له تاريخ انتهاء.
وهي ذاكرة ترافقك في الايام المرة والسعيدة.
تراقبك طوال الوقت ولاتستطيع انت ان تتدخل في شؤونها المعقدة.
كنا في ملاجئ الحرب و نحن نبني ثقبا في الارض بطول اجسادنا لتمويه الشظاياتستانس بتسارع نبضات قلوبنا.
العراقي له الحصة الاوفر من ذاكرة الخوف يضاهي بها مواطني العالم اجمع.
ذاكرة العراقي من الخوف ذاكرة متجددة تضيف الى مخزونها الهائل ما يفيض عن طاقةاستيعابها وتمنح شيئاً منه لذاكرة الخراب
و تتباهى امام ذاكرة الامل مثلاً و تسخر من ذاكرة الفرح التي شح مخزونها وبادتتستجدي.
تفاجئك في الصباح لتعلن لك انها ارغمت ذاكرة الفرح على الفرار ولاحاجة لك بتلك الشراكةالواهية.
ذاكرة مستفزة مثل وجوه الرفاق الذي طرقوا بابنا
ولكنها ايضا قابلة للانهزام
سادعها تفترض انها ملكة الذاكرة كلها
واخفي عنها خططي المرسومة بدقة بمباركة ذاكرة الامل للاطاحة بها.
مثلما هزمت أمي رفاق الامس بصمتها المكابر سافتتح ذاكرة اخرى لبلادٍ قصية ترافقخطوتي اينما ذهبت
تفضح رغبتي العارمة بعناقها والهمس لها
انها ذاكرتي الوحيدة.
الذاكرة التي سترسم لي انا الحالمُ دوماً طريقاً للنجاة.