الخيال اللغوي تشاكل وإبداع

الخيال اللغوي تشاكل وإبداع

م.د زينب عادل عبد القادر || كاتبة وأكاديمية عراقيَّة

 قد يتبادر إلى ذهن القارئ من الوهلة الأولى عند القراءة ان المصطلح ضرب من الوهم، إلا ان الحقيقية عكس ما يراه القارئ الان في هذا المقال، فالمفهوم له جذور كثيرة في المجالات العلمية والحياتية عامة، والقارئ الفاحص يجد الخيال في مضامين محتوى الكلام والمؤلفات، لكن لم يستطيع أي مؤلف أو باحث سواء كان عربي أم اجنبي يجمع هذا الشتات لبلورة هذا المفهوم، وتكوين نظرة كتابية موسعة للمصطلح؛ لذا ارتأى الباحثان أن يؤسسان للمفهوم بنظرة ابداعية، ليبلور تأسيس كتاب قيد الانشاء عن المصطلح إن شاء الله، ويحتوي هذا المقال يحوي أبرز معالم المفهوم الابداعي للخيال اللغوي.

الخيال والخيال اللغويّ

    قال المؤلف جورج برنارد شو: الخيال بداية الإبداع، إنك تتخيل ما ترغب فيه، وترغب فيما تتخيله، وأخيرًا تصنع ما ترغب فيه، والخيال ليس حلمًا من روافد النوم، ولا هو رؤية مطلقة لا يربطها بالحياة الحسية رابط، ويخطئ من يرى الخيال وهمًا منفصلًا عن الواقع أو توهيمًا مجردًا لا يُدرك؛ بل يحفظ ما يُدركه الحس من صور المحسوسات بعد غياب المادة، ولا ينبع الخيال من فراغ، إنما هو نشاط نفسي إيجابي يتفاعل والنشاط الذهني فتنبجس عنهما ملكة واستعداد تولدان قدرة على إضافة أشياء جديدة باهرة تجدد مقاربات الحياة.

    وإن الخيال يُعد خاصية ملازمة للبشر كامتداد لوعيه، فخيالنا إضافة لخصائص أخرى يميزنا عن باقي المخلوقات، أنه في جوهره سجل لقدرة الإنسان الإبداعية التي تطورت عبر التاريخ، وهو حجر الزاوية في النشاط الإنساني، وهو الذي مكن الإنسان من غزو العالم واستكشافه وفهمه، ومحاوله السيطرة عليه، وأقدم دلائل معروفة على الخيال الإنساني هي رسوم الكهوف، والرسوم السابقة للأساطير؛لأن الصورة عند الإنسان سابقة على اللغة الشفاهية، وهذه بدورها سابقة على اللغة الكتابية.

    والخيال قوة تدعي ما لا يحكمه العقل، ويحدده المنطق؛ لأنه فنّ وإبداع، وبما أن الفنّ الخروج عن المألوف لنمط قدرات العقل والارتقاء إلى ما بعد أو فوق قدراته، إذ بالاستعاضة نستطيع أن نقول أن الخيال يدعي ما لا يصح دعواه، ويثبت ما ينفيه العقل ويأباه، فهو حلقة بين المنطق واللا منطق، وهو ليس وهمًا أو تخيل؛ بل يختلف عنهما اختلافًا جوهريًا كما إذ خلط كثير من الباحثين بين الخيال والتخيل فمرة يعزوه إلى التوهم وأخرى إلى الحقيقة والمنطق، لذلك يبنبغي أن نوضح الفرق بين هذه المصطلحات المختلفة في المضمون والشكل الآتي يوضح ذلك:

أوجه التشابه والاختلاف بين الخيال والتخيل

ت

خيال  

تخيل  

1

مرحلة وسط بين التخيل الذي لا يلتزم بالواقع، والتفكير الذي يقترب منه

افتراضات ذهنية تصاحب دائما عجز واستحالة الحدوث

2

لها القابلية في التحقق

قابلة للتحقيق أو غير قابل

3

يبنى على أسس معرفية سابقة، أو ترابط الخبرات لتكوين ما هو جديد

يخلق التخيل الأشياء التي لا وجود لها والتي لم يسبق لها أن وجدت

4

إعادة تشكيل الإدراكات السابقة من خلال إيجاد صور وأفكار جديدة لها

إذا سند إلى العلم اصبح خيال، وإذا لم يسند إلى العلم أصبح توهم

5

أقرب للعلم، وقابل للتطبيق

تخيل الشيء ينافي العلم في كثير من الاحيان

6

خيال نتاجه أقرب أن يكون نافع

التخيل نافع وغير نافع بحسب نوع النتاج

7

ملكة كامنة عند الفرد ويمكن تطويرها

عملية إنتاجية ذهنية تتولد عنها الصور وتتخطى العالم المحسوس

8

اقرب للتصور والتحقق

اقرب للتوهم لا يتحقق

      والخيال اللغوي يعد العنصر الاساس للخيال بنحو عام،بل هو الركيزة لكل انواع الخيال الاخرى، وإن مفهوم الخيال اللغوي، مفهوم قديم حديث، قديم برتباطه بالتاريخ والقصص والروايات والملاحم التاريحية، وحديث ما ارتبط بالاختراع والابتكار، لذا يمكن أن نحدد مفهوم الخيال اللغوي بعدد من التعريفات، ومنها: يعرفه (Remysen,2011)، بأنَّهُ: لغة صادرة شعوريًا عن وصايا ورقابة العقل على تنظيمها واعطاء تراتبية الشكل المنظم للغة حيث هي جنس المعرفي متقدم، وتماسك وتناغم المعنى اللغوي المراد توصيله تجريديًا.

   وإن الأفكار لا تهبط من السماء بل تصعد إليها، وتتفق في المجرات لتعود إلى الأرض من جديد لتترك بصمة واضحة مميزة في الأشياء من حولنا، وأن المصطلحات التي تطلق على الأعمال التي تبالغ في تصور المستقبل وتنقلنا إلى علم الميتافيزيقيا تسمى وهم، أما الخيال اللغويّ من محَّفزات خلق مجتمعات علمية حديثة، وهذا النوع من الخيال قد قضي عليه في أوربا وجرفه تيار النوع الجديد الذي يجمع بين التسلية والإفادة، إذ يرمي إلى بث الآراء الإصلاحية والأفكار والملحوظات الاجتماعية في ثوب قصصي أقرب إلى روح الإنسان.

    فالخيال اللغويّ من الأسباب الرئيسة في نجاح الإنسان وتقدمه واختراعاته الكثيرة والمتتالية، وما اختراع الكتابة إلا نقطة انطلاقه فهو حول بدوره الاقوال والاعداد إلى رسوم وصور تطورت فيما بعد إلى الأبجدية المعروفة، وما الخيالات إلا بداية، فهو يُعد مصطلح حديث لصور شتى، رسمها البشر في اذهانهم لأمور واحداث وأشياء متخيّلة وجديدة، ولكنها تختلف عن الجوانب الأخرى من الخيال عند البشر، بوجود أرضية أو أساس أو فكرة علمية مجردة، علمًا أن الفواصل بين جوانب الخيال رقيقة.

    لذا ينبغي على المؤسسات التربوية جميعها، أن تنظر إلى الخيال نظرة ثاقبة ودقيقة وأن يتم دمج هذا المفهوم في المناهج التعليمية للمراحل المختلفة، فاغلب الدول المتقدمة تدرس الخيال في رياض الاطفال وصعودًا بتلك المراحل، لانها تعده المصدر الاساسي لتنمية القدرات العقلية بنحو عام، بل وتساعدهم في حل المشكلات التي تواجههم مستقبلًا

(Visited 101 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *