محمد صالح البدراني
الأيام كما يقال دول تدور كما الأرض تدور والإنسان يخطئ في رحلته ويصيب والناس من حوله تختلف وتتعدد آراءهم في عمله وردود فعلهم على سلوكه وهم في هذا مشارب، فمنهم من يجامل في تأييد كل ما يقول ومنهم من ينصح، ولعل الناصح المبعد وقت الرخاء هو الأقرب صدقا وقت الابتلاء.
للحوار قواعد
لا ينبغي ابدأ أن تكون موافقا لما تنكر مداهنا فتلك ليست مروءة بل خيانة لاستشارة المجلس، وما أعنيه باستشارة المجلس إن لكل مجلس آداب ومنها الحوار وآدابه، فان طرح موضوع ما وكان يخص أمرا شخصيا أو عاما، فالشخصي تستأذن إن كنت تنكره أن تنفرد بمن طرحه كي لا يخجل إن كان متواضعا أو يصر إن كان جبارا وتأخذه عزة بالإثم… أما إن كانت النصيحة عامة فمن الممكن تقديم النصح بكياسة وإدارة للحوار بشكل تستخلص الفائدة وتقدم الحقيقة سلسة رغم أنها بلا رتوش.
لا يمكنك أن تدخل على من تحاوره حول امر به مشكلة أو إشكالية من مشاكل عدة دون أن تهيئ لهذا، أو ترتجل كلامك أو تضعه بصيغة اتهام ثم تقول له اعذرني لصراحتي، فتلك ليست صراحة ولابد أن تنتبه الناس أن الكرامة الإنسانية محفوظة لكل إنسان حتى لو فقدت أهليته عندما يخالف القوانين ويكون في موضع مسائلة
الصراحة والمروءة:
من الأخلاق الحميدة أن تكون شفافا قريبا من الناس صريحا مؤتمنا، محبا للخير والعون وترد لهفة الملهوف باستجابتك لحاجته لا تضع حاجزا لمن تعطي وتمنع بل عطاؤك للمحتاج ومنعك لما يسبب هدر كرامة الإنسان…. والصراحة يمكن أن تكون من المروءة ويمكن أن تكون ضدها إن لم تلتزم بمحددات الأدب، فهنالك صراحة مجتمعية تقضي بالكلام العام أمام العامة بما يفهمون استفسارا نقديا حينا وأحيانا توضيحيا، لكن أن تحمل التحامل أو عنوان الكراهية اضحى التلبس بالصراحة إضعاف للمروءة وإضعاف للأمانة حين تلبس الوقاحة لبوس الصراحة.
قال الماورديُّ: (المروءَة مراعاة الأحوال إلى أن تكون على أفضلها، حتَّى لا يظهر منها قبيحٌ عن قصد، ولا يتوجَّه إليها ذمٌّ باستحقاق)
المواقف والمروءة:
الناس بطبعها تناصر الضعيف أو من يضعف في مشهد ما، أما أن تتذلل له في قوته فهذا مخالف للانا البشرية ومولد للحقد والكراهية فما أن يضعف الإنسان حتى تظهر المواقف الحقيقية وفي كلا الموقفين المتضادين أساس بناؤهما النفعية.
عندما يحدث حادث أمام الناس أو يهاجم حيوان إنسانا وبدل أن تهرع لنجدته تمسك بالهاتف المحمول لتصور مصيبته وخسائره أو كيف يفترس، فهذا فقدان للمروءة.
عندما تبخل ببعض المال على فقير محتاج أو موقف إنساني وتبدد أموالك على حفلات ليست لمناسبة وإنما لتعيش تصنّع السعادة إن كانت هنالك بقايا لمروءة أو سعيدا إن فقدت المروءة فلا حاجة للقول إن هذا فقدان للمروءة.
عندما تؤتمن على سر أو مال أو أمـــــــــــر ثم تخون أمانتك، وتعلو الأنا عندك فذاك الموقف يسمى فقدان المروءة.
عندما تعد ولا تفي ولا تعطي الناس حقوقها ومكانتها ويصبح التسويف منهجا والكذب ليس عيبا والشجاعة تعبر عن الجرأة على الحق والأمانة، والأمانة نفسها غنيمة، ويبقى إفلاتك من العقاب وان لا تفتضح للناس وأنت أمام ربك مفضوحا، وتعتبر كلامك مع الصالح مضيعة وقت ومداهنتك للفاسد مصلحة هي إذن فقدان مروءة
عندما تسعد بأذى الآخرين، ولا تحس ببلدك واهلك ومصائبهم ولا تفكر إلا بالهروب من الواقع لتنجو وفق ظنك من تصريفك لحياة أنت تصنعها فتلك فقدان للمروءة.
خلاصة
المروءة أن تتجمل بخلقك في ضبطه إن لم يك جميلا، ولا يهزك تنمر من يظن ضعفك بكياستك أو ليونة من مرونتك، فهي في النفس لطائف وفي العمل إنسانية وفي زمن التيه نفائس، ومصداقية الوصف الأخير ما نراه في واقعنا من انقلاب الموازين فبات البحر غثاء يطرد إلى الساحل ماءه.
والمروءة أن تحتضن أخاك وتلفه بثوبك إن تعرى من سلطته، وان تكون مرآته إن تمكن وبان سفهه وظلمه.
ومن اشد ما نمر به أننا نرى القيم تبحث عن موطنها وغياب المروءة غير المستشعرة مصيبته، وان الناس باتت تتكلم باسم القيم لتركب عليها لا لترفعها وتعليها، وتضع القيم الحميدة في غير صفتها لتمدح بما لم تفعل، بل بما فعلت ضده.
إن اشد جريمة ممكن إن ترتكب بحق امه أن تضعها تحت ظرف يفقدها القيم والمروءة ففقدان للآدمية، ورغم انها أخليت فقلبت لكن الخير رغم ضعف أدواته باقٍ، لانجزم إن كان ما نراه مروءة تحتضر أم هي تنبت كزنبقة تذيب بدفئها الجليد.