مظفريات ( 30 )
يكتبها : محمد السيد محسن
—–
في يوم من الأيام وددت ان أستشير مظفر النواب بمشروع قرار السفر الى هولندا والاستقرار هناك , فأجابني : ماذا ستفعل هناك … تعيش يومك .. دون ان تتقدم خطوة واحدة .. سيقتلك الجليد هناك , لن تبدع في اي مجال وتنتهي كما الثلج هناك , كما مات كوكب حمزة الذي لم يبدع منذ استوطن الدنكمارك. .. أنت يا محمد لديك مواهب كثيرة من الممكن ان تلخصها في ابداع لن تحتويه الا هذه المنطقة العربية او بلدك العراق , فأنت شاعر وكاتب مسرحي وصاحب صوت جميل , وفوق كل ذلك لديك معرفة واسعة باللغة العربية وهذه لوحدها لا يمتلكها الا القلائل في زماننا.
الحقيقة حين سمعت كلام مظفر عني اخذتني عزة بنفسي , وقررت ان ابقى في الشام , وفعلا بقيت ورفضت ان اسافر , الا انني بعد حين لم اتحمل الا ان اتبع من أحب , فتغربت غربتي الثانية في اوربا , سرعان ما شدتني بلادي وما حولها وعدت اجر خيبة عدم قدرتي ان ابتعد عن وطني كطائر النورس الذي تكسر جناحيه اهون ريح حين يغادر بعيدا عن ضفاف نهره المعتادة.
وفعلا بقي مظفر النواب في الارض العربية لأنها تنتمي الى ما ينتمي اليه من عروبة صارخة , تتجلى في قصائده , وتتضح في ملامح مقاصد قصيدته ايضا , رغم حالات التضييق الني كان يعانيها من تلك البلدان.
في يوم من الايام ابقاه موظف المخابرات السورية في المطار لمدة ساعتين , بذريعة عدم وصول موافقة الدخول . وكان يتحمل كل ذلك , ويصف نفسه بملك الترحال .
انا ملك الترحال
وتاج التيجان على راسي
حبة قمح
يطردني الحكام فامضي مبتسما
هذي ارض واحدة
والحكام كثيرون
—-
وفي قصيدة ” من قصيدة زهرة لفهد” يصف حاله بين البلدان العربية ويصف ذلة المواطن العربي الذي يعيش في كنف دولة اخرى , وكيف تذله تلك البلاد بما يسمى ب “الاقامة” وهي حق اداري , بيد انه يؤذي صاحبه , ويذله احيانا . وكانت الشرطة السورية في منطقة السيدة زينب تقوم بحملات القاء قبض على العراقيين وقتذاك لمخالفتهم شروط الاقامة في الجمهورية العربية السورية , ويتم ترحيل الكثير منهم عن طريق محافظة دهوك التي كانت بعد 1991 غير خاضعة لسلطة نظام صدام حسين.
يقول مظفر عن هذه الحالة :
تمرست بالحاكمين
وقاومت نفسي تحب مقاما
اخاف كما طائر الفلوات المقاما
خشيت تمن علي الاقامة
او تخجلني لقمة
فغصصت بها سلفا
أن تكون لجاما
—–
وكانت شهرة مظفر النواب وقصائده اللاذعة سببا في وضعه تحت المراقبة اللصيقة احيانا في كل البلدان التي يزورها – العربية بالطبع – ومع ذلك بقي مظفر يتهكم على ممارسة مراقبته من قبل اجهزة امن الدول التي يزورها والتي يقيم بها , فيقول رغم انه يؤمن انه يجب ان لا يراقب , لأن كل نشاطاته معروفة , فهو لا يهتم او يخطط للانقلابات , ولا يسعى لأن يشتغل في عالم السياسة فهو شاعر ليس الا , الا ان هذا الشاعر كان يخيف السلطات , ويعتقد مظفر جازما ان مراقبته يجب ان لا تكون اولوية.
وفي قصيدة ” بالخمر وبالحزن فؤادي ” يقول :
راقب يا سيدي راقب
هل انزل سحاب التاريخ لتعرف صدق مواطنتي
العرب الأعراب من البحر الى البحر بخير
وسجون ممتعة
اسرائيل ترش علينا ماء الورد وانت تراقبني
——
وهذا لا يعني انه لا يأخذه الحيف لأنه يتعرض لهذه المراقبة اللصيقة , وهذا الفعل الشائن من قبل السلطات , ويعتقد انه يجب ان يكرم من قبلها لا أن تتم معاقبته بالمضايقة تلك , ويصف عام 1969 ما جرى له في طهران حين سأله احد “الغيلان” الايرانية كما يصفهم , وهم ضباط الاستخبارات الايرانية “السافاك” حين عذبوه بتهمة عبور غير مشروع للحدود , فيقول في قصيدة وتريات ليلية / الحركة الثانية :
في طهران وقفت أمام الغول
تناولني بالسوط وبالاحذية الضخمة عشرة جلادين
وكان كبير الجلادين له عينان كبيتي نمل أبيض مطفأتين
وشعر خنازير ينبت من منخاريه
وفي الشفتين مخاط من كلمات كان يقطرها في اذني
ويسألني من انت؟
خجلت أقول له:
قاومت الاستعمار فشردني وطني
—–
الا ان مظفر بقي متشبثا بالوطن العربي لأنه يحس أن قضايا امته هي الأهم بالنسبة له , وحتى حين يسافر الى اوربا فإنه يقصد الجاليات العراقية او العربية في تلك البلدان وسرعان ما يلم شتات جسده ويعود نحو الشام التي عشقها , رغم مضايقات بعض الأفراد من أجهزة امنية كانوا يحاولون الضغط عليه , عله يخرج منها . فقال واصفا نفسه في قصيدة قافية الاقحوان :
وانا لست نبيا
انما شاعر عشق وضياء وأغاني
شاعر للناس ان لا ييأسوا
وإن فكر بعض الناس يحتز لساني