عبد الحميد الصائح
تاهَ الناس بين الدين وتاريخ الدين، بين الدين الذي هو أوضح بكثير من تعقيدات المفسرين وصنّاع المِلل والنِحل والقول نيابة عن الله والانبياء والتقول على الائمة والصحابة وتقديس الافكار والتحليلات والروايات على عواهنها، وبين تاريخ الدين المعقّد الملتبس المليء بالتحريف والتخريف والظلم والتبرير والسعي الى السلطة وإستغفال العامة لاستعبادهم بشتى الوسائل والحِيل.
الخطر في هذا أن يعمد الكثير الى الخلط بين قداسة الدين وقداسة الحديث عن الدين او سردياته وتفاسيره . وهذه بالضبط المشكلة التي لاتستطيع الدول والقوانين والأفراد المتعصبون الفكاك منها ، فحين يصبح التفسير مقدساً والكتب التي وضعها الرجال والروايات التي يتناقلها البشر مفخّمة بفعل العاطفة والحوادث المصطنعة والهوى في الولاء والتبرير للحكّام ، كل هذا وغيره حين يصبح مقدسا لايحق للعقل الجدل فيه او مراجعته ،ولذلك تتضارب المقدسات وتتناسل الى شُعَب وكتب موضوعة وناقلين عن الله ومدونين لاحاديث وأدعية انسانية تأخذ مكانة (القرآن الكريم) بل قداسته وتتحول الى اسلاك شائكة تقيد العقول والحريات . بما يخالف روح الدين التي تؤكد على الصبر على المختلف والحوار والجدل والخير والاحتكام الى العدل والخير والصلاح واحترام الانسان وصيانة دمة وحريته .
هذه المحنة التي اضعفت ماتسمى بالامة الاسلامية في العالم كله وجعلتها مـتأخرة متناحرة تتقاتل على الارضي والدنيوي وتفتك بمفكريها الاحرارالمنشغلين بتمحيص ماقيل ويقال وماينقل وما لايعقل . حتى لوّحت القوانين في أغلب البلدان العربية بسياط تهمة ( ازدراء الاديان ) لتجلد بها كل مخالف لرأيها دون التأكد من أن هذا الراي هل هو فعلا تجديف للاديان وازدراء لها ام انه أحاديث ومراجعة شجاعة وجدل وتشكيك في تاريخ الدين وما ضم بين دفتيه من هرطقة وتقلب‘ وماوضعه فقهاء الانظمة والسلطات عبر هذا التاريخ.
من هنا تاتي ردود الفعل الشعبية الشاسعة ازاء ما اتخذه القضاء المصري بادانة المحامي المستشار أحمد عبده ماهر وسجنه خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان . ردود مندهشة كون القضاء المصري عرف بالرصانة ومشهود له بالدقة والحياد في احرج الازمات السياسية. وفي عهد تستعيد فيه مصر مدنيتها ودورها الفكري الريادي الحر الذي ينتظر اغراء المفكرين المبعدين في العهود السابقة بسبب ارائهم ليعودوا من منافيهم الى مصر الحضارة والتنوع والاجتهاد، ليفاجا الناس باتهام باحث عمل طويلا على نبش الكتب الموضوعة في الازهر وغيره من المؤسسات الدينية وهي تبيح ماهو بشع من القتل وارضاع الكبير وأكل البشر وتثبيت قصص خارج التدبر السليم بآيات الله في كتابه ..وطالما هو لم يفرض رأيه بالقوة ولم يدع للعنف وليس على رأس مؤسسة تهدد الدين الذي لايمكن لاحد في عالم اليوم ايقاف تمدده ولاخوف عليه من رأي او فكر مهما خرج عن السياق ، فأن شخصا مثل عبدو ماهر لايمكن أن يكون مؤذيا وأن اعداءه انتقوا مقولات محددة من طروحاته ليوقعوا به ، في احتيال مفضوح للشطب على دوره التنويري حاله حال الكثير من المفكرين والباحثين العرب.
اختم هنا بماجاء في حديث للكاتب والصحفي المصري عبد العظيم حماد الذي كان من المعترضين على ماحدث للمستشار احمد عبدو ماهر بقوله :
“الفكر الدستوري يقول :إن كل من لايستخدم العنف أو يدعو له لفرض ارائه السياسية لايعد آثماً من الناحية القانونية .في الدين يقول القرآن الكريم للمنكرين والعاصين إنكم لم تضروا الله شيئا ، وفي السياسة يقول سعد زغلول : إن الوطن غفور رحيم .